المعالجون في الغرب:

المعالجون في الغرب (guérisseurs)، وخصوصا من يسمون بقاطعي النار(coupeurs de feu)، والمقصود بها نار الألم، وأعطي مثالا بسويسرا الفرنسية (suisse normande) التي وضعت قانوانا للمعالجين إلى درجة أن من أراد منهم أن يسجل نفسه في لائحة توجد المستعجلات حتى يتعرف عليهم المرضى، وكثير من الأطباء ينصحون بهم إذا التبست عليهم الأمور أو لم يتأكدوا من طبيعة العلو أو الألم أو المرض...

ولا أريد أن أطيل في هذا لأنه موجود وفي متناول الجميع لمن أراد الاطلاع عليه بكل تفاصيله، إنما وجب التذكير بجملة الأساليب المنتهجة عندهم أو مجملها وهي ثلاثة طرق أو أشكال أو أصناف من المعالجين:

1) المعالجون الذين يستعملون "الطاقة énergie " ويدخل تحت هذا المسمى: المغناطيسيون (magnétiseurs) أو المقنقنون (radiesthésistes) وهم الذين يحملون "طاقة في أيديهم" أو المعالجون ب"الطاقة" (énergéticiens)... وكل هذا كلام فارغ لا يساوي المداد الذي يكتب به، لكن المرضى (أو الأطباء أنفسهم) في أشد الحاجة إلى تسكين ما في الإنسان ولو بأي شيء، سيما وإن كان هذا الشيء لا شيء (لأنه بالنسبة لهم لا يعارض البروتوكولات الطبية ولا يزاحم منتجات الشركات الصيدلية)...

2) المدلكون (Les rebouteux) هم الذين يعملون على إعادة تحريك العضلاة و العضام.. وهذه من الأهمية بمكان، من جهة لأن الجهاز العصبي مرتبط على مستوى العمود الفقري بكل الأعضاء الظاهرة والباطنة، وفي كثير من الأحيان تكون العلة من العصب وليس من العضو نفسه، فيحصل الشفاء بمجرد زوال سببه، وكذلك على مستوى المفاصل أو العضلات فتنشط فيحصل تخفيف للألم وربما تشفى إن كانت العلة موضعية...

3) القارئون أو الراقون بالقراءة (Les faiseurs de secret récitant une prière) وعادة تكون من رجال الدين أو الرهبان خاصة، وربما تكون بطريقة جماعية، ويعتمد عليها كثير من المصحات في الغرب خصوصا إذا تعلق الأمر بعملية خطيرة...

وقد تزيد هذه التخصصات وتنقص حسب المتوفر، كما يمكن أن يمثل شخص فيهم أكثر من تخصص في الوقت الواحد، وإن كان أن كثير الأطباء لا يعترفون بها ويسمونها نوع من الشعوذه، وهذا ابتدأ في الغرب من القرن السابع عشر حيث تقرر اتباع الفلسفة الديكارتية والإقلاع على كل ما هو روحي اعتمادا على المناهج العلمية المادية، حيث بقي هذا ساري المفعول إلى القرن العشرين، ولكن سرعان ما تقدم العلم أكثر وبرهن بالحجج المادية أنه عاجز على حل كثير من المشاكل الصحية رغم الآليات التي يقال عنها متقدمة، وكلما تقدمت أكثر زاد عناء الناس أكثر، وزاد انفتاحهم على كل شيء وأي شيء يوصف لهم، وهناك منهم من وجد في الطب الهندي أو الصيني أحسن بكثير مما وجده في الطب التقليدي..

باختصار شديد، في سويسرا الفرنسية، ابتداء من 1970، أصبحت في جل المستعجلات لائحة بأسماء هؤلاء المعالجين حسب طلب المعالجين أنفسهم، وكل منهم يذكر تخصصه، وللمريض أن يتصل به أو يلتحق به في أي وقت يريده.. وكثير من الأطباء ينصحون مرضاهم بذلك خصوصا عندما يتعلق الأمر بشيء يفوق تخصصهم ... وقل قد أصبح تقارب كبير بين الطب التقليدي والمعالجين، إلا أن له حدود وضوابط، حيث يمنع تخطي الحدود المعلومة (وهي عدم التدخل في الأدوية الموصوفة للمريض) أو التجرء على القول أنهم يعالجون أمراض السرطان أو أي مرض آخر... أما المستفيد منهم (على حد حضوضهم في القوة أو الكثرة) هو الطب نفسه، فإن حصل أي تحسن للمريض فالطب ينسبه لوصفاته الدقيقة، وإلا فالطب له الصلاحية في قول: تأخر المريض كثيرا، أو كان المرض أشد قساوة عليه، أو انتشر المرض بسرعة... وعلى كل حال (وبصرف النظر عن سلامة فعل المعالجين أو رداءتها فإن الأمر يحضى بنوع القبول، وإن كان عن ضرورة، من قبل المرضى وفي الأوساط الطبية)...

فيا ليت المجتمع المدني في دولنا يعملون على مثل ما فعل السويسريون في مشافيهم، وإن كانت من هِمّة في المتخصصين (سواء في العلم أو الدين) أن يبحثوا في إثراء هذه المواهب الفردية أو التخصصات الموروثة، فإن في ديننا ما أهمل فعلا، والقاعدة في الحكمة تدل على أن كل نقص في الفرد (في استقراره أو توازنه أو سعادته أو حتى سلامته وصحته) فهو مردود إلى مدى عدم استقامته في الدين.. لأن من عرف نفسه عرف ربه، ومن عرف ربه استغنى به عمن سواه.. هذا هو الدين.. فمن عرفه على هذا الأساس حق له أن يتهم نفسه في كل تقصير، ويسعى للإحسان في كل ما يفعل، ويشكر ربه على كل توفيق في فعله ويخرج بنفسه من كل ما يفعل...

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire