الوخز بالإبر الصينية:

التاريخ الصيني يقول أن الوخز بالإبر له تاريخ يصل إلى حوالي 5000 سنة وهذا مبالغ فيه، وقد وجدت في 1973 مخطوطة من 14 وثيقة في قبر قديم في هان الغربية والتي يرجع تاريخها إلى حوالي 190 قبل الميلاد، أنه وحسب الوثائق لا يوجد أثر يعرف للوخز بالإبر حينها، والعقل يصدق هذا نظرا لمقارنة تقنية الحجامة بالوخز بالإبر... .

باختصار شديد، يعتمد الطب الصيني القديم على نظريات أساسية، ذلك أن الشخص مكوّن من مادة، هي الجسد المادي ويسمى عندهم (yīn) ، وطاقة وهي التي تنور المادة في طبيعة (yáng)... والتوازن بينهما يكون حالة الصحة عند الشخص، إلا أنه حين تغلبت الطاقة على المادة تحصل علل كالآلام المباغتة (douleur soudaine) أو التهاب (inflammation) أو تشنجات (spasmes) أو آلام في الرأس او زيادة في الضغط... ، وفي حالة تغلب الجسد المادي على الطاقة تحصل انعكاسات أخرى مثل الإحساس بالبرد (sensation de froid) أو احتباس الماء (rétention d'eau) أو الإنهاك (grande fatigue)..

والطاقة عندهم وتسمى (Qi) والتي هي في حركة دائمة، فإذا تبعثرت أو تشوشت، فإنها تنحبس في مكان معين وتفتقرها الأماكن الأخرى، فالوخز بالإبر الصينية يفيد في تحرير الطاقة المنحبسة حتى يرتوي بها ما يليها من الأعضاء، من هنا يتوقف الأمر على معرفة مكان احتقان الطاقة، وما هي الأسباب التي سببت الاحتقان، ثم يبدأ بمعالجة العطب الحاصل، تماما كما يشبه ذلك ري الحقول بالمياه ومجاريها! ! !...

فالطاقة عندهم تجري في قنوات تسمى خطوط الطول (méridiens) ومن خلالها يتوزع على كل الجسد لتزرع فيه تلك الطاقة... على كل حال توجد أنواع مختلفة من الطاقة كل حسب أصلها ونفعها، وكل منها يتبع خطوط طول معينة ومخصصة...

فتوازن الجسد الإنساني حسب طاقاته هو موقوف على طاقات أخرى محيطة بالبيئة وتقلباتها التي تنتعش من خلاله وتسكن إلى تقلباته من خلال "العناصر خمس" والتي تعتبر كعلامات أو مؤشرات للقياس طبيعته وسلامتها...

العناصر الخمسة هي الخشب (Bois) ويرمز إلى الكبد (Foie)، والنار (Feu) وترمز إلى القلب (Cœur)، والأرض (Terre) وترمز إلى الطحال، والمعدن (Métal) ويرمز إلى الرئة، والماء (Eau) وترمز إلى الكلية (Rein)... هذه العناصر أو الكيانات الخمسة كما يسمونها، تكون المراحل الأساسية للفكر (Shen (l'esprit)...

أما الطاقات المناخية (énergies climatiques) فهي عندهم ستة: الريح (le vent) (لكي لا أقول الهواء) والحرارة (chaleur) والدفء (tiédeur) والجفاف (sécheresse) والبرد (froid) والرطوبة (humidité)، فهذه التقلبات الستة هي السبب في التحولات الديناميكية بين مادة الجسم وطاقته في "السماء" (هذا على حسب قاموس سلالة هان الملكية)...

حسب التقليد الصيني، توجد 360 نقطة متفرقة حسب خطوط الطول التي تكوّن مجموع الجسد، ولكن نقطا كثيرة اكتشفت بعد ذلك والتي تصل الآن إلى 2000 نقطة، هذه النقط تعتبر كأبواب دخول الطاقة للجسد أو خروجها منه.. وهذه النقط تتكون من مجموعات هي التي تكوّن خطوط العرض، وهي مرتبطة ببعضها..

خطوط العرض الأساسية عددها 12 خطا، وكل منها يلتقي مع عضو باطني كالقلب أو الكبد أو الرئة او الطحال... ويبدأ أو ينتهي على رأس أحد الأصابع أو الأذن.. وخلال سريانه في الجسد يكبر أو يخف، ويخرج من كل خط عرض خطوط أخرى ثانوية، هي التي تغذي الجلد والعضلات والحواس الباطنة وبالتلي ما تبقى من الجسد... .

ففي المفهوم الصيني عندما يكون المرض، لا يشخص بشكله وبأعراضه كما يفعل في الطب الغربي، ولكن بتشخيص الأعراض التي كانت السبب (syndrome correspondant)، يعني أسباب الخلل في العضو التي حالت دونه ودون أداء واجبه سواء كان في الباطنة أو الأعضاء الخارجة..

توجد في الطب الصيني عدة أسباب من شأنها ان تكون سبب اضطراب خطوط الطول، ولكل سبب تكون أعراض وآثار كلينيكية قد تسبب في عدة أمراض، كما انه تكون أمراض من عدة أسباب بدل سبب واحد، وعلى هذا يكون التشخيص الذي تُبنى عليه عملية الوخز بالإبر... .

على أي حال لم يبق الوخز بالإبر على الوجه الذي كان عليه في القرون الغابرة، ولكن بعد معرفة نظام الجهاز العصبي، والمواد الأساسية لإنشاء الخلايا، ونظام الدورة الدموية... تطور الكلام فيما كان فلسفة إلى واقع (إن شئت قلت يغازل الطب الغربي في تقريب المريض من رؤية تخفيفه الحالي أو الآني)، والطب الغربي عندما رآه فرض نفسه عليه أصبح يعتبره كنوع من الحدس في وصفه لخطوط العرق ونقاط الوخز... .

ولا يغيب عن الذكر انه وقعت تجارب ميدانية وكلينيكية بالوخز بالإبر، و من خلال متخصصين لوحظ كثير من التحسن في كثير من الأمراض، والنجاعة الاكلينيكية تثبت نفع الوخز على مستوى جيد.. إلا أنه برزت دراسات أخرى تكذب الوارد في القول على خطوط الطول... وكل هذا أخذ وجذب في المصالح المادية الكل أصبح الآن يدركه، ولكن كثيرا من المرضى يجدون التحسن في الوخز بالإبر بينما كانوا آيسين منه في الطب العرضي..

ومن المسلم به أن الوخز بالإبر لا يكون إلا على يد متخصصين، وقد ثبتت عدة إصابات بالعدوى من استعمال الإبر المتكرر أو تعقيمه بالأساليب البديلة.. وكثير من الدول اشترطت استعمالا واحد فقط لكل إبرة.. وبعض الدول كفرنسا لا تجيز فعله إلا على يد طبيب او جراح أو جراح أسنان، بينما كندا مثلا تجيز فعله بعد تدريب متخصص والدولة هي التي تتكفل المصاريف... .

المهم الوخز بالإبر لعدة أمراض وأعراض كانتفاخ البطن (distension abdominale) والتهاب الجيوب الأنفية التحسسي (sinusites allergiques)، للتخدير (anesthésie) بالنسبة للأشخاص الذين لهم حساسيات للتخدير الكيميائي، للقلق وأزماته (anxiété)، التهاب المفاصل (arthrite)، آلام الصدر الغير نمطية (douleurs thoraciques atypiques)، اضطرابات وظائف المعدة والأمعاء (troubles gastro-intestinaux fonctionnels) كالجيشان والقيء وتشنجات المريء والحموضة المفرطة والتهاب القولون، تشنجات عنق الرحم والفقرات القطنية (syndromes du col de l'utérus et du rachis lombaire)، كذلك للإمساك والإسهال (constipation, diarrhée)، ضد تسمم المخدرات (désintoxication (drogues)، عسر الحيض (dysménorrhée)، آلام الكتف (douleurs d'épaule)، للصداع النصفي والتوتر (céphalées)، والخفقان المجهول السبب (palpitations idiopathique)، والتغلب على الألم في حالة وذمة والإسراع بشفاء الكسور (maîtrise de la douleur)، التشنجات العضلية (spasmes musculaires) واضطرابها وتقلصاتها، والآلام العصبية (névralgies) كالتهاب العصب الثالث (névralgie trigéminale)و القوباء المنطقية(zona) وىلام عصبية أخرى، وتنمل الأطراف (paresthésie)، والسقطات الكستمرة (hoquet persistant)، التهاب اللفافة الأخمصية (fasciite plantaire)... وكذلك بعض الأمراض الجلدية كالحكة والإكزما والصدفية (urticaire, prurit, eczéma, psoriasis)، بعض أبعاد الحوادث العصبية كالسكتة والشلل النصفي (aphasie, hémiplégie)، الشلل المحوري لعصب الوجه (العصب القحفي السابع) (nerf facial)، ارتفاع الحرارة الشديدة (hyperthermie sévère)، وكذلك الالتواء والكدمات (entorses et contusions)... وكثير من الأمراض والأعراض الأخرى أثبت أطباء الصين ومن تعلم على أيديهم أن للوخز بالإبر تأثيرات إيجابية عليها...

وانا أذكر كل هذا بعد البحث في كثير من الدراسات على الوخز بالإبر لسبب مهم، هو أنه: ثبت عمليا أن الحجامة إذا فعلت على مكان الوخز فإنها تعطي نتائج غالبا ما تكون أفضل من الوخز بالإبر الصينية، إلا في الأماكن التي لا تنفع فيها الحجامة..

ليس هذا فحسب، ولكن من كان له أي إلمام بالعلوم الروحانية والربانية، وقرأ في بعض أعماق ما ذكرناه في الطب الصيني، فإنه يلمس في جذور المعلومات، أو في امهات أفكار الطب الصيني بعض المفردات التي تمس بصلة إلى الطب الحقيقي والمعلومة الربانية، كقولهم عن عدد 360 في خطوط الطول وعن 12 في التفريعات وعن الطبائع وإن زادوا فيها ما ليس منها والطبائع وإن أحدثوا فيها كذلك زيادات، والتأقلم مع نظام الحياة وطبيعة الوجود وما إلى ذلك مما يعني الكثير من ثقافة الإنسان الأصلية وطبيعته الإنشائية... .

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الإملاء الأول لا بد أن يكون ربانيا على يد نبي مرسل أو ولي حقيقي ملهم من الله تعالى، فتح الله له في معرفة أسرار الإنسان في تركيبه وعلاقته بنفسه ومحيطه الذي هو جزء لا يتجزأ عنه... إلا أنه وقعت زيادات ربما قد تكون فلسفية، أو اجتهادات فردية قد تصيب وقد تخطئ، والواقع أن الذي نخشاه في الحجامة هو الشيء نفسه، لأن الموضوع تناوله الفقهاء ونظروا فيه من المنظور الفقهي فقط، ثم انشطر الرأي الفقهي إلى مذهبي، ثم إلى مصلحي...

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire