الآية الثالثة من آيات الشفاء:

وجاءت في سورة النحل الآية 69 ونصها: يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ.. ومفاذ الآية العظيمة انها تدل على هذا المشروب التي تفرزه هذه الحشرة الطاهرة (النحل) التي تشتغل بوحي من الله، والذي أوجد فيه سبحانه شفاء للناس "عامة" وليس للمؤمنين خاصة.. وعجز الآية أو خبرها في قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ (فافهم)..

فطبيعة الآية العظيمة متشربة من طبيعة السورة الشريفة التي ما تركت من ذكر النعم الربانية شيء وأرقاها الإيمان بالآخرة، وبيان خطورة الاستنكار والاستكبار وربط ذلك بالأمثلة الحية من حياة الإنسان ابتداء من خلقه ومرورا بما يحتاجه الإنسان في نظام حياته من نعم الأرض والسماء والحيوان والهداية والسلوك إلى قال سبحانه: وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ .. ثم يبين سبحانه وتعالى علاقة النعم بعدم الشكر وما يترتب عليها كقوله تعالى: وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيۡهِ تَجۡ‍َٔرُونَ، ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنكُم بِرَبِّهِمۡ يُشۡرِكُونَ، لِيَكۡفُرُواْ بِمَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡۚ...

فمسار آية الشفاء كان كذلك من جنس آية النعم من السورة الشريفة التي سميت أيضا "سورة النعم"، فكان من نعم الله سبحانه أن بين في هذه الآية الدالة أكثر من " شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ " وأكثر من" فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ" وهو قوله تعالى: وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعۡرِشُونَ.. ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ فَٱسۡلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلٗاۚ، يَخۡرُجُ مِنۢ بُطُونِهَا شَرَابٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهُۥ فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ...

فالسر الأكبر في الوحي الذي أوحى الله به إلى النحل حتى تخرج هذه المادة المختلفة الألوان والأشكال والأغراض والمقاصد العلاجية والشفائية، والتي فيها شفاء للناس كلهم على اختلاف ألوانهم وأشكالهم وعلى اختلاف أنواع أمراضهم وأعراضهم، (وهذا ما يجب أن يفهم من الآية، وليس كما يقول البعض أن كلمة شفاء كانت نكرة، لذا تدل على بعض الشفاء وليس كله، وهذا قصور في الفهم عن الله) وهذا موقوف على الفهم عن هذا الوحي الجليل الذي أوحى الله به إلى هذا المخلوق "النحل"... وآية الوحي مسطورة في نصا صريحا (لمن كان يهمه الدخول إلى صيدلة الوحي الربانية)..

باختصار شديد، تدل الآية على وحي رباني يجب العمل به في الإيمان أن هذا المنتوج العجيب "العسل" فيه شفاء للناس، ووحي آخر تخصصي، ويعتبر فرض كفاية لمن كان له تخصص في البحث الشفائي أن يغوص في فهم هذه الأوامر الربانية التي أوحى بها إلى النحل حتى يتخذ من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون، ويسلك سبل ربك ذللا، حتى تخرج من بطنها هذه المادة العجيبة ذات الذوق العجيب واللون العجيب والنتائج المذهلة في العلاج بل في الشفاء من الأمراض...

هذا هو المقصد من البحث، وقد سبقت في الميدان أبحاث كثيرة وذات دلالات، وتخصص في موضوع النحل والعسل أجيال ومؤسسات... والآن آن الأوان أن يوجه البحث إلى التخصص الرباني الأكبر الذي خص به النحل (من أجل المحافظة الفعلية على هذا المخلوق الرباني أولا)، ومعرفة هذه المؤهلات النحلية التي استطاعت أن تتبع هذا الوحي الرباني كما نزل عليها، وهذه المؤهلات التخصصية والتكوينية التي طبقت به هذه الأوامر الربانية حتى تحولت هذه المواد العضوية بتقنيات عادية إلى دواء يشفي فعلا وله هذه المواصفات المعروفة شكلا ولونا وذوقا وتخصصا في التركيب...

من المعلوم أن الأبحاث لم تحط علما بكل أسرار العسل ومكوناته وكذلك بكل ما يتعلق بالنحل، وإن كانت الأبحاث المجدية عبر السنين قدمت للعلم ما أذهل العقول من تصرفاتها وترتيب اعمالها وتصنيف انواعها ودراسة لغتها ومحيطها وبعض حواسها وتقنياتها... لكن الأمر أهم في البحث لأنه يتعلق ب" فِيهِ شِفَآءٞ لِّلنَّاسِۚ".. ولا يمكن أن نستغني عن النحل بصفته كائن حي ومساهمته في النظام البيئي وتلقيح الأزهار والأشجار والأثمار (وهو يعاني الآن مما يعانيه عالميا وهذا لا يخفى على أحد، والأنظمة تتخذ ما يجب اتخاذه من الإجراءات إلا أن الوصول إلى حمايته أصبحت بعيدة المنال من هذه المبيدات المستعملة وكذلك من البذور المغيرة جينيا والأشجار)... ولا نستثني كذلك جميع منتجات النحل الأخرى كغذاء الملكات (الفالوذج الملكي) أو الشمع المعقم أو الدنج(حبوب اللقاح)...

إن الذي يجب الاهتمام به هو دراسة معمقة من جمع الرحيق إلى خروجه عسلا (وهذه هي المرحلة المهمة).. يجب أن تدرس بكل التفاصيل، وتسلط الأضواء على طريقة الصنع ومراحله التقنية، مع مراعاة ضروف التعقيم الطبيعية والمحافظة على مقتضيات الوحي الربانية التي تلقتها هذه المخلوقة الضعيفة والبسيطة (لمن أراد أن يسنبط من كتاب الله ما يعين الناس على الشفاء الحقيقي).. وهو في الواقع دواء مخصص لعلل معينة... .

حقيقة أن الموضوع أعمق مما يتصوره الإنسان، ولكن من ينظر إلى الدراسات التي تقيمها شركات الأدوية في الدواء الواحد، وما تعتني به الدول من إنفاقات على الصحة العمومية، فإنه يتأكد ان البحث في تقنية وحي الله إلى النحل في إنتاج مادة فيها شفاء للناس أقل بكثير من هذه الاهتمامات المكلفة!!!..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire