الفصل الثالث - الأطعمة والأشربة الغذائية والوقائية والشفائية في الكتاب والسنة

خلق الله الإنسان.. (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).. وأوجد له ما يلزمه من أسباب الحياة (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).. هكذا خلق الله الإنسان، لا ينقصه شيء ولا يفتقر إلى شيء، والقياس في ذلك على أبنا آدم عليه السلام قال تعالى: وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ: "الْجَنَّةَ".. وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا، حَيْثُ شِئْتُمَا.. وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ..

ونريد أن نبدأ من حيث بدأ القرآن بالأغذية اللازمة للإنسان.. أما الجنة فهي جنة في الدنيا، والمقصود بها كل ما تنبت الأرض من طيّب ومفيد وسليم، وأما "رغدا" فهي كلمة دلالية في علم التغذية، تدل على اللذة في الأكل والنفع في المأكول (وسوف نتطرق للكلمة لاحقا).. وأما: حيث شئتما: فالحيثية هنا تعني الزمان والمكان، ومعناها: متى شئتما وحيث اتجهتما...

ومن خلال هذه المواصفات يتبين لنا مظهر من مظاهر ما خلق الله مما تنبت الأرض أول ما سخرها الحكيم العليم للإنسان، وجعلها مطابقة لطبيعة الإنسان الفطرية التي فطره الله عليها، فكانت فطرة الجنة في الإمداد مطابقة لفطرة آدم عليه السلام وزوجه في الإيجاد...

وحيث كانت الدنيا ممر عبور، كان تطور الإنسان فيها و مدده وإمداده منها، مرهون بصلاح أعماله ورقي أحواله، فمتى أحسن في ما استخلفه الله يكون قد زاد الحسن إحسانا، ويكون قد أسند الحسن لجنسه وينعس حسن ذلك على نفسه، وأما إن غير ما خلق الله فيكون قد أساء في ما أحسن الله إليه في الإيجاد والإمداد، فيتدحرج الحسن وينقلب على عقبيه، وذلك معنى قوله تعالى: وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ..

كل ما في الجنة مباح ونافع ولذيذ ومفيد.. إلا هذه الشجرة (او هذا النوع من الشجر) ومكتوب عليه "ممنوع" ، (ومعناها يضر ولا ينفع...)، وبطبيعة الإنسان المنفتحة على الطاقة الحسية والمعنوية، وبجهله لشطن اللعين وحيله الكيدية... وقع في المحضور، وكشف له النور في امتثال أمر العزيز الغفور.. فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.. فخرج آدم وزوجه من جنة الإمداد إلى دنيا الكد والاجتهاد، واتباع توجيهات الهدى والرشاد: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى.. فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ: فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ..

ربما يظن القارئ أن أني مرقت عن مادة الطب الإسلامي أو الطب الرباني، ولكن هذا باب مخصص في التغذية الإنسانية، وكيف ترقى برقي الإنسان وكيف تتأثر بتأثره، فإن ما ذكرت من الآيات سوف يجري عليه هذا البحث، أو ربما كان توطئة للأطعمة والأشربة الغذائية والوقائية والشفائية في الكتاب والسنة.. فلننظرها من باب العلم والتجربة والتدقيق كما رأينا من باب النية والإيمان والتصديق..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire