الفصل الرابع - العلاج بالأساليب فوق العادية

من المهم أن نعرّف على الأقل بالعنوان الذي أصبحت له تعاريف علمية تموج بين الحقيقة والصحة والتدليس والخرافة، حيث أصبحت القواعد العلمية تصنف كل ما لا تعرف أصله بالشيء الخارق أو ما فوق العادة، وهو تعريف مادي محض، لكنه أبعد ما يكون عن التعريف العلمي الحقيقي إذا اعتبرنا أن الطبيعة هي أصل القانون الطبيعي، والعمل عليه بأصل طبيعته يزيد حسنه إحسانا، والعمل عليه بغير مقتضى طبعه يفسده ويحول دون ما خلق من أجله وجبل عليه، وبالتالي تقزم نفعه وقلة منافعه..

وقد بدأنا نبذة في بعض الفصول السابقة على بعض الظواهر العلاجية التي لا علاقة لها بالطب التقليدي، وقد بدأت بعض التخصصات تهتم من بعيد بهذه الظواهر (وإن كان عمق البحث مخصص لإطفاء شعلتها) كالكلام على الاستعداد النفسي للمرضى (رفع الإيحاء) وبعض انواع الطب التي صمدت طويلا حتى تصل إلى درجة الطب المرافق كالطب بالأعشاب ومستخلصاتها والطب الصيني والحجامة... وفي مقابلة ذلك عدد كبير من الممارسات التي ترك الحبل لها على الغارب (كما يقال) لا يدري المريض أي منها انفع إذا خيبته مناهج الطب التقليدي، كالطب الديني أو السحري أو المغناطيسي أو المسميري... وأسماء ومسميات لا يشك عاقل أن لها القدرة على إثبات نفسها مقابل حساسيات هذه الجيوش الجرارة التي تتبع الطب التقليدي والصناعات الصيدلية، فلماذا تترك بدون بحث جدي حتى من المنظمات الغير حكومية، وقد أثبتت ثقلها في الطب بالأعشاب الطبيعية رغم المضايقات التي لا تنتهي من اليد الطولى لشركات الطب وصناعة الأدوية...

لنرجع إلى جوهر الموضوع للاختصار.. لا أحد اليوم يجهل أن الطبيعة أوجدت في الجسم البشري قواما يسمى جهاز المناعة.. هذا القوام العجيب الذي يشتغل بذكاء خارق وتناسق تام لطرد الفيروسات ومحاربة الطفيليات والهجوم على الفطريات ويقتل الخلايا السرطانية... وله اليد الطولى على سائر الجسد في خارجه وداخله ودقه وجله، وهو حافظ له ومحافظ عليه ومراقب آناء الليل وأطراف النهار، وله إدارة مستقلة عن إرادة الإنسان، بل هو مصحح تلقائي وطبيعي وفطري لما يهفو فيه الإنسان أحيانا كثيرة إلا وقع التمادي والتطاول بالعصيان على حسن التصرف وطبيعة التداول..

هذا التطاول أو المروق عن طبيعة الحياة يضعف هذا الجهاز الواقي وهذه الإدارة المحافظة.. ومن افتقر جهازه المناعي دخل مباشرة في ما يمكن أن يسمى "الشيخوخة المناعية أو ربما الهرم المناعي" قبل أوانه.. وله نفس المقاييس بالهرم الجسدي الطبيعي، لكي نسمي الأمور بمسمياتها وندل بالكلمات على مدلولاتها... والباحثون الجادون في غفلة عن هذه الدلالات والمدلولات.. ولو تكلم الجادون على التعريف بجهاز المناعة الحقيقي بجزء على مائة مما تكلم عليه المسوقون على فيروس تحطيم المناعة المكتسبة (VIH) لكنا أحسن حالا مما نحن اليوم عليه، ولمهدنا الطريق أمام أجيال لها من الأولويات: الحفاظ على هذا الجهاز الرباني (المناعة الطبيعية)... .

فهل يعتبر تدخل الجهاز المناعي ضد آلام الرأس أو مغص معوي أو إسهال... أسلوب عادي في مقاومة المرض، أو نعتبره ما فوق العادي؟.. ولا أحد منا لم يحدث له هذا اكثر من مرة في حياته وهو يعلم ذلك، أما إذا دققنا النظر، وكما سبق الكلام على الدواء الوهم، ولا يشك عاقل أن العلاجات الحقيقية تستغني عن قوام الإنسان في جهاز مناعته الطبيعية..

إن تعريف بعض المصطلحات "الطبية" كالتي نحن بصددها، يحتاج إلى مراجعة (لكي لا نقول إلى طعن أو إقصاء) خصوصا إذا اطلعنا على بعض تعريفاتها العلمية الحالية: أن الحالة يجب أن يعترف بها لجنة من الأطباء المنتدبين، ويشترط في المُشافى بها أن لا يكون قد أخذ شيئا من الأدوية على الإطلاق من قبل!.. كالذي يحصل في الحكم على ما يسمى في الغرب "الشفاء المعجزة" ، ولا يعترف به إلا بعد رفع تقرير إلى الفاتيكان، ويتقرر الحكم هناك، كما حصل إلى "منبع لورد الفرنسية"..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire