كيف تنقل الحواس المعلومة كاملة؟؟

إذا كان علينا أن نرسم مسار المعلومة التي تنقلها الحواس الظاهرة من الخارج، وكيف يحللها العقل في مناطقه المخصصة لحل شفرتها (وقد سبق التطرق إليها سابقا) كالمنطقة المخصصة للمسع والأخرى للبصر وكذلك الذوق والحس وما إلى ذلك.. لكن قرار الجواب على المعلومة أو العمل بها والأخذ، أو إن شئت قلت: التعامل مع المعلومة على الوجه المطلوب والمنطق المرغوب، لا بد أن تمر المعلومة على مناطق أخرى وتجول على العقول الثلاثة..

* تمر المعلومة أولا على العقل الأول (reptilien)، فإذا كانت الحياة طبيعية للجسد ولا خطر على الإنسان (كالخوف المفرط أو الجوع أو العطش المفرط أو الألم الشديد...) وهذا في الحالات العادية، والأمثال في ذلك كثيرة، كقولك: سياسة الجائع هي لغة الخبز... أو البطن الجائع لا يعرف الغناء... أما إذا تم التغلب على العقل الأول بتوفير ما يلزمه.. فإن المعلومة تمر إلى الطابق العلوي بتأشيرة من العقل الأول..

* تمر المعلومة إلى العقل الحوفي، وهنا يؤشر عليها بالقبول أو الرفض.. وهذا راجع إلى برمجته المسبقة، فإن كانت خلاياه مبرمجة على معرفة الطيب والمعقول والحلال والمقبول والسليم... فإنها تتفاعل بشكل قطعي والعقل الحوفي لا يقبل إلا ما كان موافقا لبرمجته، ويرفض كل ما كان دونه، وقد سبق أن ذكرنا انه لو حكم بالرفض فإن المعلومة تنقبض ولا تجد لها نشاطا على مستوى العقل القشري.. وبالتالي تتقلص المعلومة وتنتهي..

أما إن كانت خلايا العقل الحوافي غير مبرمجة على شيء فإنها تقبل كل ما هبّ ودبّ من الواردات سواء كان طيبا أو خبيثا أو حلالا أو حراما... وتمنحه تأشيرة المرور إلى العقل القشري الذي يجتهد في تقديمه في أبهى حلة حسب ما أوتي من إمكانات..

وبين الحالة الأولى (البرمجة المسبقة) والحالة الثانية (عدم البرمجة) توجد حالة ثالثة، وتعتبر أخطر الحالات وأصعبها وأمكرها على العقل الحوفي وهي: "البرمجة المزيفة" أو المفتعلة (programmation Forgé)..

صحيح أن الكلمة ستلقى مقاومة شرسة.. خصوصا بعد ظهور هذه الأشكال والألوان والأنشطة في تربية الأطفال ومسايرة المنظومة التربوية في الدول النامية وعليها يسير المنهج في باقي الدول حسب القوانين الدولية والمواثيق الأممية، ولكنا ندخل من باب هذه الحقوق في القول والملاحظة لعل بعض من الجوانب الحقيقية تظهر، وهذا ما يتكلم عليه كثير من مثقفي العالم، ولكن في إطار ضيق، وكثير من الدول وكثير من الأجيال وقعت ضحية هذا التطرف التربوي..

لا ينكر عاقل أن مستوى العيش في الأسر (خصوصا في الدول المتقدمة) ارتفع بشكل كبير، وحرص الأباء و توجيه الحكومات المتبنية على تربية الأطفال يزداد ويتركز في المستلزمات وتخطاها إلى الرفه واللعب... ولكن عندما ننظر مليا إلى هؤلاء الأطفال عندما يبلغون سن الرشد، فإننا نجد ان النتائج بعيدة كل البعد عن إعجاب الآباء أو الدول..

وهذا أمر لا يكاد الآن يخفى على أحد، فلا الدول راضية بمستوى التربية.. ولا الآباء مقتنعون انهم أدوا واجبهم الأبوي، ولا الأبناء راضون بما هم عليه، ولا متحمسين لما ينظرهم في المستقبل القريب أو البعيد..

أما السبب فهو غاية في البساطة: هو عدم الاعتناء بالعقل الحوفي في وقت تكوينه!!!..

قد يقول قائل أن الأهمية تعطى للأطفال في البرامج المعروفة في تهذيب النفس بالألوان والموسيقى والأنشطة وحسن التعامل، وإبراز كفاءة الأطفال منذ الصغر والبحث على ميولهم، وتحريرهم من الخوف وحمايتهم منه بكل الوسائل، وضمان تمدرسهم إلى أكبر سن ممكن...

الجواب: أن كل هذا من تخصص العقل القشري.. أما العقل الحوفي فليس له فيه نصيب.. والنتيجة انك ترى الطفل على صغره يتكلم بفصاحة وذكاء ويجيب على ما يسأل عنه، ولكن بمجرد ان يصل إلى سن البلوغ تجده انغمر باليأس والخوف من المستقبل، وعدم القدرة على تحمل الواقع... ثم تجده ينحرف وينعزل ويزج بنفسه في أول ما يجده من الشذوذ أو الشرود... فيدخل في الأمراض التي تنتج عن غياب نور التاء: كمال الحواس الظاهرة.. وأول هذه الأمراض وأخطرها هو:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire