نظرة أعمق لما يسمى "الشفاء الخارق"

هكذا أصبحت تسميته في العصر الحديث (أو بالأحرى في الأوساط الطبية) وأصبح المصطلح أكثر تداولا على هذا النحو، وأصبح البحث فيه على هذا الأساس، وهذا جوهر الخلاف بيننا وبينهم، لتشخيص أساسي نعتبره الأساس في بناء كل تحليل.. (فكيف تستقيم عملية أساس معطياتها خاطئة؟؟)..

نحن نقول: أن الطبيعة لها قانون، وهو الأساس في الطبائع، وله ضوابط مدققة يسير بها وعليها، وهو الذي يسمى كذلك العادة الطبيعية... فما خرج منها أو ما خرق عادتها في أصلها الطبيعي، أو أعجز القوانين الطبيعية المتعارفة عليها في سيرها المدقق، هو في الواقع خرق للطبيعة العادية، وقانونه محكوم بالفوضى وعدم الانتظام العادي...

أما حكم وجوده فيفرض ثبوته وهويته، وهذا يدل على أن له قانونا مخصصا وإن غاب عن البعض، وهو طبيعي في الأصل وإن خفيت دواليب أنواره ومراكز أسراره على ما اعتادته الطبيعة البشرية..

إن ما اعتادته الطبيعة البشرية ليس هو الطبيعة الخلقية، وقد سبق الكلام على فطرة الأصل وخلقة أبينا آدم وهبته الأولية، وكذلك تشخيص العلة البشرية في شخصه وشخص زوجه، ثم اعتدال الطبيعة البشرية بما يجب بالرجوع بعد التراجع والإدراك بعد التدارك... وهذا جوهر الخلقة وطبع الحكمة ومركز العلم، الذي لم نؤصل عليه معطيات البحث العلمي ولا مرتكزات التوجه الفكري في البحث المثمر والتحري.. فإن الرسول الكريم يقول: إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله...

فلماذا يتعجب التقرير الطبي (لكي لا أقول الأطباء، لأنهم أرحم برحمة الله لعباده) من شفاء مرض بغير ما اعتادوه، ولا يتعجبون من عدم شفائه بكل ما اعتادوه واختبروه وجربوه... وإذا بحثوا في "غير ما اعتادوه" تلقوه بألسنة حداد أشحة على الخير ومبالغة في الإنكار والجحود بلا حجج ولا مبررات، وأدوات قياسهم وضعية، وتاريخ الطب نفسه أكبر شاهد على الإقصاءات اللامتناهية للممارسات القديمة كلما ظهرت أخرى (يقال عنها حديثة)..

الله وحده يعلم أني لا أقصد التجريح في علم رفيع كالطب ليقيني أن الممد فيه هو الله والساند فيه هي رحمته وفضله وحكمته سبحانه بالعباد، ولا مؤاخذة على تجار تخصصوا في مجال "صحة الإنسان" فكانت لهم الخيرة من أمرهم بين رواج تجارتهم وخدمة صحة الإنسان!..

أما اللوم والمؤاخذة على من تخصصوا في تنوير طريق القاصدين وهداية التائهين ومؤانسة الغرباء القانتين، فاختاروا الشكل في مقاصدهم والمظاهر في توجهاتهم، وحصروا الدين في مبادئه والتدين في شرائعه، فلا إلى أنوار الدين وصلوا ولا على رقائق العلوم حصلوا، وبقوا في الدنيا بين الحضارات كابن اللبون لا ضرع يحلب ولا ظهر يركب...

اعتذر للقارئ الكريم على تفلت قلمي أحيانا، وإني لألجمه ما استطعت إلى ذلك سبيلا، ولكن من قرأ هذه الكلمات أكيد انه يرى ما أرى في زمننا هذا وربما يجد في ذلك استحسانا، ولكن من سيأتي بعدنا، إن لم تلملم الأمة شعثها وتراجع نشزها وترشد توجهها، فستكون فتن علمية وعملية كقطع الليل المظلمة، لا يدري الساكن فيها مقامه ولا القاصد فيها توجهه ومقصده... وقد دلت الآثار الشريفة على هذا بكل التفاصيل لأنه ركن من أركان الدين، ومحج مستنير لا يحيد عن المنهج القويم والصراط المستقيم، لقول الرسول الكريم: هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم... علمه من علمه وجهله من جهله.. وقد سبق الكلام في غير هذا المكان على حديث جبريل الذي لا يخفى على أحد من المسلمين.. (ولا أظن أني خرجت عن الموضوع.. ولنرجع إلى جوهره..)

لن أقف كثيرا على بعض الممارسات الطبية التي تمس بصلة (أو يعتقد ذلك) إلى الطب بما هو فوق العادة الطبية المعتادة، كالطب والبيولوجيا وعلم التخاطر النفسي أو الطب التفاعلي أو الكمومي... ولنلق على بعضها نظرة:

* الطب البيولوجي (Biologie médicale) الذي يبني تحليله على المكونات ومدى تفاعلها، ويعتمد أساسا على الطب المخبري لكي يصل إلى مختلف التحليلات الناتجة عن اختبارات طبية كتحليل الدم أو البول أو خرعة تؤخذ من نسيج أو عضو... ومن بين هذه التحليلات نجد تحاليل المناعة (immunologie) أو علم الهرمونات (hormonologie) أو الكيمياء الحيوية (biochimie) أو علم الفيروسات (virologie) أو علم الوراثة (génétique) أو علم السموم (toxicologie)..

* علم البارابسيكولوجيا أو التخاطر في علم النفس (parapsychologie) وهي دراسة علمية لما سمي تاريخيا بالظواهر النفسية (phénomènes psychiques) الناذرة والغير المعتادة، ولا يوجد إلى الآن تعريف موحد حول تعريف تفاصيل التخاطر أو البارابسيلوجيا.. وهي على العموم دراسة شاملة تخصصت في إيجاد تفاسير يقبلها العقل لما لا أصل له معروف من ظواهر تحصل بين النفس والعقل والمحيط أو البيئة المحيطة... أو بمعنى آخر: محاولة معرفة التواصل بين الأعضاء أو الحواس (الظاهرة والباطنة) والمحيطات الخارجية، بغير ما هو متداول (أو بغير ما هو معروف) في أوساط العلوم المادية.. وأعطى المتخصصون لهذا العلم بعض الأسماء لبعض الممارسات ك"الإدراك خارج الحواس" (perceptions extra-sensorielles (PES) والتحريك العقلي (psychokinèse ( PK)...

اما الإدراك خارج الحواس (PES) فيعني كل المعلومات المحصل عليها دون استخدام واضح وصريح للحواس أو لوسائل الاتصال المعروفة، وهذا يدخل في نقل المعلومات المتعلقة بالأفكار أو الأحوال، ويسمى التخاطر (télépathie).. أما معرفة الأمور عن بعد فتسمى عندهم الفطنة (clairvoyance)، أو معرفة الأمور التي لم تحصل بعد وتسمى الاستبصار (précognition).. والتحريك العقلي بدوره (psychokinèse) يعني به التأثير الخارجي أو تأثير العقل على المادة... كما توجد ظواهر أخرى مرتبطة بالإدراك خارج الحواس (PES) أو التحريك العقلي (PK) والتي تدخل في ظواهر متخصصة منها:

- الظهورات (apparitions) وهي ظهور أشباح أو أشخاص أو حيونات أو أشياء لا وجود لها في العالم الظاهر..

- الهالات (auras) وهي هالة ضوئية ترى الآن بزجاجات سوداء للعموم أو بوسطاء، وينفع فيها القراءة والتدخل للإصلاح وهناك أشخاص يدعون ذلك أو يزعمون التخصص فيه..

- الوساطة الروحية (médiumnité)، وهم أشخاص لهم القدرة على تقريب ما لا يُرى أو يدرك إلى العالم المادي أو الملموس، وتدخل فيها الكهانة والعرافة السحر...

- المنازل المسكونة بالجن أو العفاريت (maisons hantées) وتدخل فيها تفاسير أخرى كالطاقات السالبة، وكل هذا له تفاسير في الغرب أو على الأقل يحاولون أن يجدوها بهذه الطرق أو هذا النوع من العلوم..

- الشفاء النفسي (guérison psychique) وهو العمل على إخراج المريض من الحالة النفسية الصعبة إلى استقرار نفسي وعافية، عادة تكون بالمصاحبة النفسية أو بالرجوع إلى الإيمان، ولها آليات تعتمدها ومناهج تنتهجها، تقل فعاليتها بالارتجال العلمي، وتنفع بالرسوخ الإيماني والثبات اليقيني والإيماني بين الإلقاء والتلقي...

- تجربة الاقتراب من الموت (experience de mort imminente(EMI ).. هذه التسمية تطلق علميا على بعض الرؤى والأحاسيس التي تحصل للإنسان وهو في غيبوبة متقدمة (coma avancé) أو موت إكلينيكي (mort clinique)، وفي هذه الحالة يرى فيها "المغيب" حالته التي هو عليها، وبعض الأمور التي يمر عليها وتكون طبق أصل الحقيقة الواقة، كما يرى بعض المخلوقات الغير عادية... كما يكون الشخص في حالة من الراحة والسعادة التي لا توصف... .

- الخروج من الجسد (sorties hors du corps) هكذا اصطلح عليه في الطب النفسي الغربي وما فوق النفسي، وله أسماء أخرى كثيرة ومتعددة متداولة في علم النفس وفي الثقافة الصينية للتركيز على الخصوص، وكل الكلام حول هذا الموضوع ينبع من منظورات خاصة، كل يعبر فيه حسب تجاربه أو ما عرض أمامه من حالات سواء في الأدب الطبي أو في الواقع الملموس... والواقع أن كل ما قيل فيه مجرد نظريات.. (وسنفصل في الموضوع ، وفي ما ذكر قبله بحول الله تعالى)..

- الروح الشريرة (poltergeist) ومعنى الكلمة العلمية، أنها مظاهر تحصل في الواقع وتترك معها أثرا ملموسا يسمع أو يرى أو يتحقق منه، كإخفاء أشياء أو وجودها ولم تكن موجودة من قبل، أو تحريك أشياء من أماكنها، تكون من قريب أو من بعيد او قليلة أو كثيرة، أو المرور بها عبر حواجز مادية يستحيل ذلك على العادة... .

- الحياة بعد الموت أو التناسخ (réincarnation)، وهو مفهوم خاطئ يبني عليه بعض المعتقدون فيه أن الروح ترجع لتحقق ما لم تعذر على الحي تحقيقه، أو تربط بين أرواح الموتى القدامى علاقة لا تحقق إلا بعد الموت... هذا موجود المعتقدات الأسوية والأمريكية القديمة وكذلك في المعتقدات الإفريقية كذلك... ونظرا لبعض الالتباسات في المعطيات التشخيصية، يضن في البارابسيكوجيا أن له تأثير على المادة والإنسان ... .

وهذا بعض فقط من الظواهر الخارقة أو التي لا يجد العلم التجريبي لها تفسيرا ماديا، والتي هي في الواقع أكثر من تعد بل أكثر من أن تعرف حتى، وعلماء البرابسيكورولوجيا بأدواتهم المحدودة ومعلوماتهم المحصورة في الماديات، لا يزال أمامهم وقت طويل لكي يكون التأهيل الحقيقي لبداية هذا السفر العظيم في أصول العلوم الطبيعية والحقيقية، وإن كانت تسمية "علم البارابسيكولوجيا" لا يعني الاهتمام بكل الظواهر الغيبية، ولكنها لا تتوارى على التظاهر ببعض الاهتمامات كالأجسام الغريبة او المخلوقات الفضائية (OVNI) أو علم التنجيم التأثيري (astrologie) أو علم دراسات الحيونات الخفية (cryptozoologie) أو الوثنية (paganisme) أو المخلوقات مصاصين الدماء (vampires) أو الكيمياء السحرية (alchimie) أو السحر والشعوذة (magie et sorcellerie) ...

أما من تتبع التوجهات النظرية لعلماء النفس حسب مؤلفاتهم المختلفة، فإنه يجد أن تعريف علم النفس مبني على معايير اجتماعية ومعرفية وفيسيولوجية وسلوكية.. وهذا الكم الهائل من الأبحاث التي قد تعتبر أسسا علمية عند البعض وعند آخرين لا تعتبر كذلك، ولكنها في الواقع تمس الكائن الإنسان من بعيد أو قريب في حياته، وهذا الذي فرض هذا الفن الطبي "بارابسيكولوجيا" والذي بقي إلى حد بعيدا عن مقومات المعلومة الأساسية للبحث العلمي التي توجد في الأصول الطبيعية للأمور.. والتي يعتبر جودها وثبوتها حقائق، وسلوكها السليم شرائع، الدين الصحيح وحده يبيّنها، والعلم الدقيق وحده يؤيدها، والفاهم اللبيب وحده يدركها... .

* الطب التفاعلي (Medicine interactive)، وهي تقنية طبية جديدة ظهرت في آفاق البحث العلمي في السنين الأخيرة، ويعتبر أبلغ هدفا من الطب البيولوجي، حيث أنه يأخذ في الحسبان القضايا النفسية والعقلية ومدى تأثيرها على الناحية الكيميائية والفيزيائية في جسم الإنسان، أو بلغة أدق: يعتبر تأثير اللامادي على المادي.. أو بكل بساطة: التأثيرات السلوكية أو الأحوال النفسية على وظائف الأعضاء الظاهرة والباطنة...

وهذه التأثيرات لا يجهلها عاقل ولم يخل منها إنسان.. فكيف يؤثر حال الغضب أو الفرح على فكر الإنسان أو قراره، وكيف يفرز المخ أو الغدد هذه الهرمونات بمعدل توازن الإنسان وكيف يؤثر على وظائف الأعضاء، ولماذا يكون العضو الفلاني أكثر تأثرا عند الفرد وعند الآخر شيء غيره، وعند الثالث لا يكون التأثر نهائيا... وما هو التكوين الملائم أو الاحتياطات الاستباقية كما يقول الطب العرضي لكي يكون التأثير أقل ضررا؟...

وهل هناك "أحوال" إيجابية تساعد العقل والجسد... وتقاوم المرض، أو توقفه، وتجلب السعادة والصحة والعافية والفهم والتوازن؟... وكيف نعرف درجات الحب، ومراقي الأمل، وبيوت الاستقرار، ومقومات الصبر... .

إن كان للنفس فعلا طب يستحق أن يذكر، فهذه أوسع أبوابه وفسيح جنانه، السابق لها سابق للخيرات، والفاهم فيها نجيّ لا محالة من معوقات الأعراض والأمراض والاضطرابات النفسية والسلوكية والخلقية، والدال عليها نافع ومنتفع، والسائر فيها يدخل في جنان حيث استقر به السير والسعي والمقام ...

هذا هو الطب النفسي الديني، أو الإسلامي... ندل عليه ولا نخشى المعارضين من إخواننا (ولا ينقصون) ولا من غيرهم (ولن يتأخروا)، ونؤمن أنه قد حان الوقت لبذل بعض الجهود من بعض المتخصصين، وهو طب كامل متكامل ونافع إن احترمت فيه النصوص الطبيعية للقوانين الربانية والدلالات النورانية من كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.. والأمة في أمس الحاجة إلى استكمال دينها بتطبيق ما نزل في كتاب ربها وسنة نبيها... فإن لم يكن هذا من الدين.. فما هو الدين؟؟؟ ۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ.. ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحۡيِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ..

وقد ظهرت في العشريات الأخيرة انواع من التنوير في المجال الطبي والممارسات العلاجية نتيجة ظهور بعض المعطيات الطبيعية التي فرضت نفسها في هذا الزخم المادي من المعلومات والضغط المحبوك في التوجهات.. لكنها برزت سافرة مبرجة تجر العاشقين وتقول بلسان حال الأحرار المحررين: تحرروا من المادة تجلى أبصاركم وتشرق أنواركم!!..

هذه المعلومات انفرطت كما تنفرط السبحة في يد مستعملها أو العقد في عنق المجملة به، انفرطت المعلومات من ساجنيها فتفلتت، وبقيت كل معلومة تدل على أختها وكل دلالة تومئ إلى أصلها وتنجذب إليه انجذاب الفرع لأصله وحنين الرضيع لأمه... وكل من الأصول والفروع ينادي بلسان الحال: هل من مؤصل للأصول ومحقق للحقول؟؟

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire