مراجعة وتقييم لما سبق:

رأينا في الحصة الماضية بعض التوضيحات حول مختلف اليوافيخ (fontanelles) ورأينا كيف يتأثر اليافوخ ويتأثر معه السائل الشوكي (liquide cérébrospinal) أو بالعكس، وعرفنا مدى نفع الحجامة على اليافوخ، خصوصا الأوسط، ورأينا كذلك بعض الطرق التقليدية للعلاج سواء بالكي أو الحزم على عظام الجمجمة... (مراجعة الصورة)

والذي أود لفت الانتباه إليه هو مدى علاقة اليافوخ بالسائل الشوكي، ومدى علاقتهما معا مع مهام العقل كلها سواء على مستوى معالجة المعلومة المعينة أو نقلها إلى سائر الأعضاء الظاهرة والباطنة الظاهرة، وربما إلى الأعضاء الباطنة الباطنة، التي إلى الآن لم يتكلم عنها احد... نسأل الله أن يفتح لنا في العلم بابا نفهمه، وطريقا نسلكه، لأنه من أساسيات الإيمان ومراقي الإحسان، ولا يكمل الدين إلا به... .

اما الذي يشير إليه الطب الإسلامي من خلال حديث الرسول الكريم كما سلف ذكره هو مدى علاقة فروة الرأس (cuire chevelu) بالسائل الشوكي (وقد سبق ذكر هذا في الحصة الماضية) ثم مدى ارتباطه بوظائفه كلها (وهذا ما سنحاول الإشارة إليه في هذه الفقرة)، خصوصا والفروة هي التي تكون عليها الحجامة عادة، أو الكي ... .

منذ 1950 بدأ علم الأعصاب الإدراكي (neurosciences cognitives) البحث قياس نشاط الكهرباء الدماغية (l'activité électrique du cerveau) بجهاز يسمى الكهربية أو جهاز قياس الكهرباء الدماغية، وسمي الكشف بها.. (L'électroencéphalographie)..

اما أسلوبه: فهو وضع أقطاب كهربائية (électrodes) على فروة الرأس عادة تتبع الرسم الكهربائي للدماغ... هذا الجهاز من خلال هذه الإلكترودات تبين النشاط العصبي للمخ على مرور الوقت، وعلى الخصوص نشاط القشرة الدماغية (cortex cérébral)...

والمعلوم ان القشرة الدماغية، وهي غشاء المخ كما يدل عليه اسمها، سمكها من 1 مم إلى 4.5مم وتغطي مجموع المساحة المخية بحيث يصل طولها إلى حوالي 0.26 متر مكعب...

توجد في القشرة الدماغية ثلاث مناطق (aires cérébrales) مخصصة في تحليل المعلومات الحسية وهي: القشرة السمعية (cortex auditif) وتوجد في الفص الصدغي (lobe temporal).. والقشرة البصرية (cortex visuel) وتوجد في الفص القذالي الخلفي (lobe occipital)، والقشرة الحسية الجسدية (cortex somatosensoriel) وتوجد في الفص الجداري (lobe pariétal)...

وتوجد كذلك في القشرة الدماغية منطقتان متخصصتان في الحركة (Aires motrices) كلاهما موجود في القشرة الجبهية (cortex frontal) أو مقدمة الدماغ، أو ما اصطلح عليه في الكلام الرباني ب "الناصية".. (انظر الصورة)

ولكي لا يتوه بنا البحث في أمور علمية لها متخصصيها أود في موضوعنا أن أشير إلى أن معظم القشرة المخية مخصصة فصوص مسؤولة تسمى رابطة المناطق (Aires d'association)، وهي عبارة عن ثلاث فصوص مخية:

* الفص الصدغي (lobe temporal) وهي الجهة المسؤولة عن حفظ المعلومة (الذاكرة) (mémorisation) وله ميزات متقدمة في التعرف على اللغات أو الأشخاص أو الأشياء..

* الفص الجداري (lobe pariétal) وهي المسؤولة عن الحواس، وهي تحلل جميع المعلومات القادمة من الجهاز الحسي حتى تعطي صورة واضحة عن المحيط والدائرة.. وتحتوي على مناطق أخرى تابعة لها في المهمة... فأي خلل في الحواس تبقى له جهة بعينها في الفص الجداري... .

* الفص القبل الجبهي (lobe préfrontal)، وهو الأساس في بحثنا، وهو الذي يطرأ عليه التغيير الكثير عند بني البشر، وفيه يختبئ الذكاء البشري دون غيره من الثدييات، ومساحته حوالي الربع وحدها من القشرة المخية كلها... باختصار شديد يأخذ الواردات من جميع مناطق المخ، ويضمن إدخالها في القرار المتخذ، وهذا غاية مبحثنا من كل هذا.. وهذا ما قصده الوصف الرباني في سورة العلق من قوله تعالى: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ ، نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ... وهذه السورة الشريفة التي تعتبر أول سورة نزلت على النبي الكريم عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ..

فما اود الوصول إليه من خلال الحديث الشريف والعلوم المادية، أن ثمة صلة رفيعة بين مناطق القشرة المخية (منطقة السمع أو البصر أو الحس...) وهذا واضح للعيان الطبي، وحتى الحجامة الذكية بينت في كثير من الأحيان على التحسن الذي يكون على السمع والبصر وعلى الحس...

ولكن الذي يجب البحث فيه، هو كيفية تطوير السمع والبصر والحس، وما يترتب على ذلك من تأثير إيجابي على وظائف الأعضاء الأخرى؟؟

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire