علم الحراثة وأنوار الزراعة الربانية في القرآن:

نقول علم الحراثة، لأنها عمل الإنسان كما دلت عليه الآية في الفرق بين الحراثة (الإنسانية) والزراعة (الربانية)، وعليه كان من أصول علم الحراثة (الذي يتوارثه الناس بالتعلم والممارسة والخبرة) أن يكون تابعا لمتقضيات أنوار الرزاعة الربانية التي جعلها الله في أصول النبات وطبيعته، ومدى تأقلمه الطبيعي مع انواع الحراثة التي يرتضيها الإنسان، ويود من خلالها أن يحسن في أصل النبات، أو بلغة بالغة: يحسن إلى النبات بالإصلاح كما أحسن الله إلى الإنسان بهذا النبات، وكما أحسن الله في النبات بجمع الخصائص والتأقلم بها وإيصالها إلى مقاصدها...

* يقول الحق في آية جامعة: وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ ٤...

اقتضت ضرورة الحكمة أن تأتي كلمة: قِطَعٞ.. بدلا من غيرها دلالة على الحكمة البالغة في انوار حروفها.. والقطع جمع قطعة، والقطعة لا تحديد لها، قد تطول أو تقصر أو تعلو أو تنحدر، كل منها يمسى قطعة تبعا لخصائصها، فإن تغيرت الخصائص او تبدلت تكون بداية قطعة أخرى بخصائص أخرى.. وهذه الخصائص هي ثلاثة تجمعها انوار الكلمة:

القاف، ولها البصيرة، وهو اختصاص التربة العميق والدقيق المتعلق بمكوناتها الأصلية من المعادن والماء وغير ذلك..

الطاء: ولها التمييز، ولها في الأرض التمييز بين انواع البذور التي تصلح لها والتي تتأقلم معها والتي لا علاقة لها معها..

العين: ولها العفو، وفي الأرض معناها انك يمكن أن تفرض عليها إنبات شيء غير ملائم للتربة، وإذا عززته بما يعوزه من مواد ناقصة فإنها تقبله ولا ترفضه وتنبته ولا تلفظه... .

ومعناها في الآية العظيمة، أن هذه القطع وإن كانت متجاورة، ونفعت أن يكون فيها: جَنَّٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ.. ومعناها: في كل قطعة تكون جنة مختلفة عن القطعة الأخرى، واما الزرع فجاء مفردا لطبيته وجمعه زروع، وكذلك نخيل جمع نخلة، وعطف الزرع والنخيل على الجنة وليست على الأعناب!..

فالمقصود من الآية أنه في كل هذه الجنات من الأعناب والزرع والنخيل فيه: صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ.. ومعناها متشابهة وغير متشابهة.. وهذا التشابه أو التطابق راجع إلى أشكال وانواع الأعناب والزرع والنخيل، ومرجعه إلى إلى أصل القطع ولو كانت متجاورة...

والمقصود بال"صنوان" على الأنوار هي خصائص النبتة كما دلت كلمة "قطع" على خصائص الأرض، وهي إن شئت قلت بما يسمى في زماننا ب"الشفرة الوراثية" للبذرة أو لأصل النبتة.. وهي كما يلي:

الصاد: لها من الأنوار كمال العقل، وهذا يعني ذاكرة النبتة أو البذرة حتى تحافظ على أصلها وهويتها التكوينية..

النون: لها الفرح بالله، ومعناها أن هذه البذرة أو هذا الأصل الزهري يرضى بما هو أصله ويقبله ولا يرفض التأقلم أو التغير في الأصل الجيني أو الوراثي..

الواو: لها الموت في الحياة، وهنا معناها في الشفرة لا تقبل إلا أصلها أو تموت دونه..

الألف: ومعناها الامتثال، وهذا يدل على أنها تمتثل لكل أمر وكل فعل، ولا اعتراض لها أبدا على النفع بما فيها أو الإنبات بما فيها..

النون الثانية: وهي كذلك للفرح بالله، ومعناها انك تجدها دائما راضية مرضية سواء أحسن إليها أو أسيء، لأنها مبرمجة على قبول أمر الله وهي تسبح الله بذلك ولذلك خلقها وهي بذلك في أعلى قمم الفرح بما خلقت من أجله..

فهذه الأنوار الخمسة إن شئت قلت هي أصل شفرتها الطبيعية التي خلقت به ومن أجله، وتغييرها يعتبر مسّا بخصوصيات النبتة وتطاولا على حقائقها وإفسادا لما خلقته أيادي القدرة فيها.. وهذا موضوع شائك شوهته المصالح السياسية التي تباع وتشترى، وهيمنة الشركات المتطاولة وتقزم القرارات المصيرية للأمم...

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire