نظرية الأغشية (membranes)

ثم انتقل الفيزيائيون الكموميون من الكلام عن الأوتار إلى الأغشية (membranes) أو الجيوب الطاقية التي تكونها الأوتار الفائقة الدقة.. حتى أصبح يقال: ربما ان عالمنا المرئي هذا هو فوق غشاء من هذه الأغشية، أو داخل برزخ، دونه عوالم أخرى، يمكن أن تكون بجانبه أو هي تسبح في برزخ آخر دوننا أو فوق غشاء آخر بجوارنا...

وهذا الكلام وإن كان يجد له العلماء الغربيون صعوبة في الفهم، لكن المؤمنين من الناس يجدون سلاسة في فهمه ولهم شواهد على ذلك من كتاب الله وما يلمسونه في ممارسات حياتهم ويجدونه في ثنايا إحساساتهم، وهذه بعض الأمثلة:

الكل يعلم أن الروح محركة الجسد، والموت مفرقة الروح عن الجسد، والإنسان في حياته يعيش في الماديات بجسده المادي، وبعد الموت يفنى الجسد ويبلى، ويعيش الإنسان بروحه في العالم الروحي.. هذه الحياة الأخروية تسمى عند المسلمين "عالم البرزخ" ومأخذها من قوله تعالى: وَمِن وَرَآئِهِم بَرۡزَخٌ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ.. فعالم الأرواح بعد الموت يكون في برزخ، ومعناه عالم معزول عما نحن فيه (لكنه موجود) أو قل غشاء أو عازل عن العالم المادي... فلا بد أن يكون مبني بمواد غير التي عهدناها وعرفناها في الدنيا المادية...

فالذي نريد الخلوص إليه ليس هو ما يمكن أن ينكره الملحدون أو يكذبه الكافرون أو يستهين بذكره الماديون، ولكن المهم في هذا هو محض بحث في مادة الكموم، حيث أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كلّم ارواح الموتى على أكثر من صعيد، وحتى عند الماديين ثبت أن النائم يمكن أن يرى ميتا في منامه (وجنحوا بعيدا في تفسير ذلك) أما من له صلة بالقرآن فيفهم معنى قوله تعالى: ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ فَيُمۡسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيۡهَا ٱلۡمَوۡتَ وَيُرۡسِلُ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمًّى .. فالشاهد هو أن الأرواح بينها يمنكن أن تلتقي، ولكن كيف تلتقي الأرواح بالأشباح، وقد ثبت هذا في الأثر الشريف وثبت كذلك عند المشايخ الذين فنيت أجسادهم عن طلب الدنيا والرضى بالمقسم والمقدر (وهذا باب يعرفه أهل التصوف والزهد في كل زمان ومكان، ورأينا وسمعنا من الثقات ما لا يمكن بسطه للعموم حرصا عليهم من الشك والعبث)..

مثال آخر: لا أحد من الأجناس البشرية ينكر وجود الجن أو العفاريت أو الشياطين أو حتى الملائكة (كل حسب معتقده) أو غيرهم من المخلوقات المخفية، والأدب التاريخي يثبت ظهور بعض هذه المخلوقات أو هذه الكائنات في حالات ناذرة عند بعض الأشخاص الذين أهّلتهم الظروف إلى ذلك، فالجواب في ذلك بكل بساطة: أن هذه المخلوقات خرقت عادة الخفاء لضرورة محكمة، أو هؤلاء الأشخاص خرقوا من أنفسهم عادة رؤيا الأمور المعتادة... أو التقت الخوارق بينهم (وهذا معروف عند أهله بصرف النظر عن أصل الخرق هل هو إيجابي أو سلبي...)

ولا تقف الأمور عند هذا الحد الأعلى في الأمور، ولكن من تأمل سلوك الناس يجد أن الصادق الذي يتحرى الصدق يجد صعوبة في الكذب، بل إنه يستحيل على من دخل في "برزخ الصدق".. وكذلك بين الأمانة والخيانة والكرم والبخل والشجاعة والجبن... وهذه السلوكات التي ترفع الإنسان إلى أعلى عليين إن اتحدت فيه، أو تحطه إلى أسفل السافلين إن انتكست فيه، وكل من هذه السلوكات سلبها وإيجابها مرتبط بمواضع في الجسد ومواضع في العقل، وكل منهما مؤثر أو متأثر بمواقع في القلب...

ولا غرابة إن قلنا أن كلا من هذه السلوكات له ارتباط بما هو حوله داخل الجسد البشري وخارجه.. فقد ثبت علميا أن بعض الغناء الرقيق يؤثر إيجابا في النباتات، ويسهل المشاق عند بعض الحيوانات... وحتى بعض ذرات الرمل تتفاعل مع مختلف الذبذبات السمعية أو التأثرات الكهرومغناطيسية...

اما إذا رجعنا إلى الإنسان فإننا نجد أن السمع فيه مقدم عن البصر، والقول الصحيح والسليم فيه له أثر في بناء الشخصية، وفتح أبواب المعرفة.. والحكيم العليم سمى هذا الكتاب المنزل "قرآنا" وتعلم الفعل فيه موقوف على تعليم الكلمة.. والقول فيه ملزوم بالفعل، قال تعالى: إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ.. وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥ.. فالكلم الطيب يرقى بأصله، ولكن رافته هي العمل الصالح... وقوله تعالى: أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ.. وهذه الآية تزيل كل الإشكالات الكمومية في العلاقة بين سلوك العبد والمحيط القريب أو البعيد...

ولا أشك أن العالم الكمومي يستغرب مما أقول، ولعلي أعمق أكثر من ذلك، وإن كان هذا ليس مكانه، ولكن الضرورة لإزالة بعض اللبس عند العلماء الماديين، وكذلك عند علماء الدين الذين ينفرون من هذه الإضاءات العلمية في علوم حقيقة الشريعة أو مقاصدها الحقيقية... فإذا قال العزيز الحكيم كما جاء على لسان نبي الله نوح: فَقُلۡتُ ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارٗا.. يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارٗا.. وَيُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّٰتٖ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَٰرٗا.. مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلَّهِ وَقَارٗا.. فالبحث العلمي فيه:

ما علاقة الذنوب بمنع المطر؟ وما علاقتها بالرزق والخلف الصالح؟؟ وما تأثيرها على نبات الأرض وجريان الأنهار...؟؟ وما علاقة الاستغفار بإزالة كل هذه العوالق والكوارث والمصائب والمعائب؟؟؟

وأود أن أعمق أكثر من ذلك فيما ذكره كتاب الله صريحا لا يحتمل تأويل وواضحا، مشروط على كل من يقرأ القرآن أن يتخذك كقاعدة بيانات في السنن الكونية وكيف تؤثر وتتأثر، ومثاله في قوله تعالى: فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِ حَاصِبٗا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّيۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ.. والآية هنا قاطعة الدلالة على أن لكل نوع من المعاصي مع الإصرار يقابله نوع من الأخذ من العزيز الجبار.. والحكيم العليم عندما يقص علينا "أحسن القصص" كما وصف سبحانه، فلكي نتخذها قاعدة بيانات في الأصول العلمية المادية والدنيوية، ولا أرى الآية الكريمة تصب إلا في هذا المعنى: وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيۡكُمۡ
وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِۚ...

فلماذا أرسل "الحاصب" على قوم عاد، الذين قالوا: من أشد منا قوة!.. فكان أخذهم بالحاصب وهو التراب الخشن، وترفعه الرياح الصرصر(الشديدة البرودة) العاتية (القوية المدمرة) فجعلتهم كأعجاز نخل منقعر... ولمعرفة الحاصب بالمسميات الحالية فإنه إعصار (tornade)، وأكبر إعصار ريحي عرفه التاريخ الحالي هو إعصار أوكلاهوما الأمريكية سنة 1999 حيث بلغت سرعة الريح فيه 512 كلم/س، بحيث أنه أقتلع أسفلت الطرق من قوته.. فكانت في عهد عاد لها خصائص تميزها (وأود ان نحتفظ بهذه الخصائص للتحليلات التي تأتي).. فالحاصب هي الريح التي تحمل بقوتها الحصا أو الحجر فتلقي به على الناس أو ممتلكاتهم، ولكنها جاءت في كتاب الله في حق قوم عاد بمعان دقيقة، قال تعالى في آية: إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ مُّسۡتَمِرّٖ.. وإذا بحثنا ما سبقها في سياق الآية نجد قوله تعالى: كَذَّبَتۡ عَادٞ فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ.. وكأن الآية تشخص ملابسات الجريمة، فكأنك تقول أن جريمة التكذيب (كَذَّبَتۡ عَادٞ) كانت عقوبتها (رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِي يَوۡمِ نَحۡسٖ) وجاءت كلمة: (مُّسۡتَمِرّ) كأنك تقول أن العقوبة قابلة للزيادة مع إضافات أخرى على التكذيب.. فكانت كما جاءت في آية أخرى: فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ.. يعني أصبح بدل اليوم أيام، وبدل يوم عادي أصبحت أيام نحسات، ذلك مذكور فيما سبق من الآية:فَأَمَّا عَادٞ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُواْ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ...

فنحن نود من خلال هذا البحث البسيط في التفسير العلمي أن نؤصل بابا من أبواب البحث العلمي على ضوء قرآن القرآن أو استقراء آيات القرآن العظيم (وفي جميع المجالات سوف نتطرق إلى بعضها في هذا البحث وفي اماكن أخرى بحول الله وحسن توفيقه) أما هنا فلم يأت التطلع من فراغ علمي، ولكن لأنه يتقاطع مع نظرية حسابية أخذت باهتمام الباحثين في نهاية القرن العشرين هي نظرية الفوضى!!..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire