رقية النملة:

هذا الحديث أو هذه "الرقية"، كتبت حولها مئات الصفحات، نلخصها في جمل مفيدة ونذكر منها المفيد الطبي الذي لم يُتنبه له.. وفي الحديث أوجه نأخذ أفيدها.. روى الخلال: أن "الشفاء" بنت عبد الله (الصحابية: الشفاء غنية عن كل تعريف) كانت ترقى في الجاهلية من النملة (النملة هي مرض جلدي"نوع من الإكزما" حساس)، فلما هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، (وكانت قد بايعته بمكة) قالت : يا رسول الله، إني كنت أرقى في الجاهلية من النملة ، وإني أريد أن أعرضها عليك. فعرضتها فقالت: "باسم الله صلت حتى يعود من أفواهها (وفي رواية: صَلُّوب حين يعود من أفواهها.. وفي رواية أخرى: بِسْمِ اللَّهِ صَلْقٌ صُلْبٌ جَبْرٌ ، تَعَوُّذًا مِنْ أَفْوَاهِهَا) ولا تضر أحدا، اللهم اكشف الباس رب الناس" (هذا هو نص الرقية التي كانت الشفاء ترقي بها في الجاهلية).. قال (يعني الرسول صلى الله عليه وسلم): ترقى بها على عود سبع مرات (وفي رواية أخرى على عود كركم) ، وتقصد مكانا نظيفا ، وتدلكه على حجر بخل خمر حاذق (وفي رواية على نورة وهي الجير)، وتطليه على النملة .. وفي رواية أخرى تقول الشفاء: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة، فقال لي: ألا تعلمين هذه رقية النملة، كما علمتها الكتابة؟..

فلا يهمنا الخلاف الذي حصل حول الروايات وإن كان الأرجح أن كل منها كان له زمان ومكان وسؤال، ولكن الأهم هو البحث في الأسرار العلمية للحديث، وإن فيه أركان:

1) هذه رقية كانت تفعل في الجاهلية، وفيها كلام غير معروف وهو: صلوب حين يعود من أفواهها (وهذا المعنى الأقرب إلى الصحة).. وهذه الأسماء هي سريانية، وليست عبرانية كما يقول البعض، وهي أصل اللغات وتعتبر لغة التنفيذ، ومنها في كتاب الله حروف أوائل السور وكثير الكلمات (من أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى كتاب انوار الحروف فوق ما هو مألوف)، أما وجودها في لغة الجاهلية دليل على وراثتها من الديانات السابقة وهي رحمة الله للعباد، وأهل الخاصة يعتمدونها في تنفيذ اعمالهم وتوجيه أحوالهم، وهي لغة تجمع لغات الإنس والجن والملائكة...

أما في معانيها فهي حسب حروفها وشكلها، فالصاد من "صَلُّوبٌ" فتعني غبار الأرض، وهي مفخمة فتدل على الأرض التي غضب الله عليها، ومعناها أن خصائص المرص من الجن الأرضي، الذي تتأذى منه البشرة الجميلة ويكون الأذى من طريق العين... أما اللام المضمومة: فتشير إلى الشيء الذي لا نهاية له، أي أن الأذى هو موطن بين الناس ما دامت لهم قلوب مشوبة وعيون ضارة... الواو الساكنة ومعناها الأشياء المتباينة لبني آدم، أي أن أصل العلة هو خارج عن طوق البشر وهو يأتي من عوالم أخرى... الباء المضمومة معناها إشارة معها قبض، فكأن العلة بمثابة عمل يعمل فيؤثر على الفرد تأثيرا بينا فيقبض فيه ما هو مميز به... وهكذا معاني الكلمات السريانية في كل المفردات..

أما أصل المرض فبحثت عنه في انواع الإكزيما المذكورة فلم أجد له تخصصا، إلا أنه موجود ومعروف ويصيب الأطفال إلى حدود خمس سنوات تقريبا خصوصا البنات وخصوصا في الوجه، ويصيب كذلك النساء اللائي لهم بشرة ناعمة، ويصيب منهن بعض المناطق الحساسة، وهو عبارة عن بثور صغيرة مملوءة بسائل وأكالة وتنتقل من مكان إلى آخر كأنها النمل ولذلك سميت عليه، وفي كثير من الدول العربية تسمى به، وفي كل بلد لها رقية معينة أو أناس معينون.. وعلى ما أذكر في صغري رأيت غمرأة ترقي بنية بالطريقة التالية: تأخذ الملح الحي، وتكون المرأة على الريق، وتأتي بحجرتين وتضع الملح بين الحجرتين وتسقيها بريقها وتمزج الملح بين الحجرتين وهي تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وتقول كلام آخر كأنها تطرد المرض بالكلام معه (أو شيء من هذا القبيل)..

والمعلوم أن أمراض الإكزما إلى الآن يجهل سببها إلا بعض الأنواع التي تعزى لإسباب الاتصال بأجساد أو معادن أو مواد كيميائية أو مرجوعة إلى الإصابة بفيروسات أو بكتريا أو حالات نفسية (أو على الأقل هكذا يكيفها الطبيب المعالج)... وكذلك العلاج بكل صراحة لا يوجد دواء مخصص إلا لرفع الأعراض كالأكلة أو التعفن... وقد تم الاهتداء أخيرا إلى إضافة مستخلصات الصبار، والتي تهدئ إلى مدى مهم هذه الإصابات الجلدية..

فإذا رجعنا إلى مرضنا "النملة" فنتأكد أنه ليس له سبب مادي معين، ولكن له سبب خفي مؤكد، وقد يكون من نوع من انواع الجن أو الشياطين الذين لهم هذا التخصص وهو ما هو واضح في كلمات التعوذ الذي وافق عليه النبي صلى الله عليه وهو: صَلُّوب حين يعود من أفواهها.. أو: بِسْمِ اللَّهِ صَلْقٌ صُلْبٌ جَبْرٌ ، تَعَوُّذًا مِنْ أَفْوَاهِهَا... ولا وقت لنا لإحالة كل الكلمات السريانية ومن أرادها فإنها تعني ما نقوله بالضبط.. فهذه رقية ربانية بدليل ابتدائها بالبسملة وختامها بدعاء صحيح وصريح: اللهم اكشف الباس رب الناس..

أما الذي نود مناقشته هنا هو شيء آخر لم يُتنبه له، وهي الإضافة التي طعم الرسول الكريم وأثرى بها هذه الرقية وهي: ترقى بها على عود كركم سبع مرات .. وتقصد مكانا نظيفا ، وتدلكه على حجر بخل خمر حاذق (وفي رواية على نورة وهي الجير الغير مطفي)، وتطليه على النملة..

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على فتح باب أكبر في الطب النبوي الشريف، ومعناه: ولو أن الإصابة ليست مادية فإنها تؤثر في الماديا، وذلك تعفنها وأكلتها، والحياء من ذركرها خصوصا إذا تعلق الأمر بامرأة...

فالرسول الكريم أضاف إليها مواد طبية مادية لها خصائص فيما يخلفه إكزما النملة من أثرها وفي إزالتها وقطعها أو إزالة أسبابها الأصلية (وهذا هو الطب الذي نبحث عنه في ديننا وهداية ربنا وتوجيه نبينا)..

فالرقية تقرأ سبع مرات على عود كركم.. والكركم معروف لا يخفى على أحد، وهو الزنجبيل الأصفر (curcuma) وفوائده من الداخل والخارج معلومة ولكنها هنا بالضبط جد نافعة لجميع الأمراض الجلدية الملتهبة ويحفز جهاز المناعة خصوصا في ذلك...

ثم يحك عود الكركم على حجر نظيف (لأن صلابته الشديدة معروفة) وفي رواية يستعان على ذلك بخل خمر (والخل مضاد حيوي قوي، ومكافح للعدوى البكتيرية والفيروسية وللطفيليات...)

ثم يحفظ في مكان نظيف (وهذا شرط المحافظة على الدواء من التلوث المحيط)..

وفي رواية يحط على النورة وهو الجير، وهو كذلك مطهر قوي...

ثم يطلى على إكزما النملة، في أي مكان كانت، فإنها نافعة خصوصا في المناطق الحساسة التي يستحي النساء من ذكرها أو الامتثال إلى الطبيب من أجلها...

فالذي يهمنا هنا هو تشخيص عجيب للرقية الحقيقية، ومفاذ هذه الأسطر البسيطة حول هدي النبي الكريم هو: إدخال المعلومة العلمية على البركة الربانية (وإن كانت كلها بركات من الكريم الوهاب) أو إن شئت قلت: قطع الأسباب الأصلية للمرض ومعالجة مخلفات الأثرية .. أو بكلمة بدوية: معالجة إصابة الجن وما خلفه من أثر على الجلد...

أما ما نطمح إليه، هو أخذ حديث النملة كمثال نوسع عليه رقانا أو نزيد به في تخصص علاجاتنا.. وهذا قد فتح بابا أكثر عمقا في الطب منذ أزيد من 15 قرنا لكننا لم نستغله لعدم فهمنا عنه ومحوره حول ما يلي:

أن الرقية سواء كانت من السم أو من السحر أو العين أو الجن، أو حتى الأمراض الجلدية أو الآلام والأوجاع... وكل هذا وردت فيه أحاديث في الصحاح، فمنها ما كانت الرقية منفردة ومنها ما كانت مقرونة بفعل معين موافق لما تركته العلة أو المرض.. وهذا هو غاية مبحثنا: وهو إضافة العنصر المادي على العنصر الروحي... فإن اكتملا فذلك الترياق للمرض..

هذا تخصص بالطبع في الطب الإسلامي، ويلزمه توجه بعد بحث جاد، حيث تعرف العلة، إن كانت من الجن أو السحر أو العين (والواقع انهم يكونون السبب في جزء كبير من الأمراض، وهذه ليست خرافات ولا توهم) أو أي مرض آخر عضوي كيف ما كان نوعه أو تأثيراته، فإن عرف سبب العلة كانت الرقية القولية بما يناسب، كآيات بطلان السحر أو الايات النافعة لهذا الغرض وهي كثيرة ومتنوعة، أو الفاتحة وغيرها إن لم تكن علة خفية للمرض أو جهل السبب...

وهذا باب يفتح المجال أمام الطب العرضي حتى يكون هادفا، فيساهم في ارتفاع الإيحاء عند المريض(من جهة)، وعند الطبيب (وهذا مهم وسبق الكلام عليه في أول البحث).. أما التدخل الطبي بعد القراءة يكون حسب طبع المرض أو الأثر الذي خلفه، وهو الذي يجب فيه الاجتهاد حسب التخصص (و هذا ما يفعله الطب العرضي، بشرط أن تكون المنتجات الصيدلية طبيعية).. وإن صح التشخيص، أو كانت له نسبة كبيرة في الاهتداء إلى سبب المرض، واحترمت أقل المعايير بالطريقة العلاجية المذكورة، فإن النتائج تكون مرضية، وأقرب إلى الشفاء من أي شيء آخر..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire