3) الطب النبوي:

الطب النبوي هو كذلك طب رباني، وهو شرح للطب القرآني وقراءة مخصصة لها، أو بكلمة أدق: هو وضع قواعد للبحث الطبي على منهج الحديث وسياقه وليس فقط التقيد بنصوص الحديث وحصرها فيما وردت به، فإذا قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: صوموا تصحوا.. (بصرف النظر أن هناك من خاض بين صحة الحديث وضعفه) ولكنه لا ينافي أصلا، والبحث المجدي يجب ان يكون في معنى الحديث وأبعاده ومقاصده.. وهل هلك الناس في زماننا إلا نظام غذائهم الفاسد؟.. وهل للأطباء نصح وتوجيه إلا النظام الغذائي في الحمية والامتناع (أو قل الصيام عن بعض المواد)..

ويسنده حديث آخر أكثر دلالة وأبلغ مقصدا، يقول الرسول الكريم: ما مَلأَ آدَمِىٌ وِعاءً شَراً مِنْ بطنٍ، بِحَسْبِ ابنِ آدمَ لُقيْماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه، فإنْ كان لا بُدَّ فَاعلاً، فَثُلُتٌ لِطَعَامِهِ، وثُلُثٌ لِشَرَابِه، وثُلُثٌ لِنَفَسِه...

ومن أقوال السلف أو الحكماء الحذاق: نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع.. وإن كان من نسب الحديث إلى الرسول الكريم من غير إسناد، فإن المجتهدين أقاموا الدنيا وأقعدوها أن الحديث لا أصل له، وأنه ينافي ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرة ذكر حديث أبي هريرة مع أهل الصفة في لبن قليل، وببركة النبي الكريم زكى فشرب منه الكل وشرب أبو هريرة حتى قال لا أجد له مسلكا، وحديث آخر في يوم الأحزاب (ويسمى يوم العسرة)... فدعى الرسول الكريم على الطعام وبدأ الناس يدخلون ويأكلون حتى يشبعون... و هذا الذي يجب التنبه إليه في التحليل العلمي الديني الحديث (الذي أدخل على الدين ما ليس فيه وعلى السنة ما ليس منها، ولا أريد التجريح أكثر)...

فلو وضع هذا القول المأثور لوحة فوق رؤوس علماء التغذية في العالم لما رفضوه طرفة عين، ولما أغفلوا عن التذكير به في كل أقوالهم وأعمالهم.. فكيف يجرأ مسلم أن يقول أنه ينافي أصول ما ورد في السنة...

كثير من العلماء كتبوا في الطب النبوي، أو في الهدي النبوي في التطبيب، وصنفت فيه كتب قيمة ومهمة، كالبخاري وقد أورد في صحيحه كتاب سماه كتاب الطب وأورد فيه حوالي 57 بابا أولها: باب ما انزل الله داء إلا انزل له دواء، وآخرها: باب ألبان الأتن...

كما أورد الترمذي كتابا سماه : كتاب الطب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأورد فيه 29 بابا أولها: ما جاء في الحمية، وآخرها: ما جاء في التداوي بالعسل...

وورد في سنن ابن ماجة كتاب سماه كتاب الطب فيه 25 بابا أولها: باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، وآخرها: باب السحر...

وفي سنن ابن ماجة كتاب الطب، والترمذي كتاب الطب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي النسائي كتاب الطب.. وفي شرح السنة للبغوي... ولا يوجد محدث لن يتناول باب الطب عن النبي عليه الصلاة والسلام.. إلا أن الأمر لم يتناوله المتخصصون، وهذا ليس في باب الطب فحسب، فكما أنه وقع إالإغفال في تأصيل كل ما يجب تأصيله في هديه صلى الله عليه وسلم، إلا في أبواب العبادات، ودليل هذا هو الخلاف الحاصل بين الفِرق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وكل هذا ناتج عن عدم الفهم الحقيقي للسنة المحمدية الشريفة، وعدم الفهم عن بيضة الإسلام ومراقي الإيمان وجوهرة الإحسان، وما بعدها من رقائق ودقائق علم الساعة...

فإذا كان الخلاف في الركن الأول الذي هو الإسلام، وبُدع فيه البعض، وأحيانا كُفّروا، وأخيرا فَجروا وفُجروا ودَمّروا ودُمروا ولم يعد هذا خافيا على أحد.. واحتسبت الحصيلة على سلوك المسلمين!!!..

فما عسى المختلفين في أبجديات أركان الإسلام أن يفعلوا مع أحاديث الطب الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟ وقد تطاول بعض الفقهاء قديما وحديثا على أحاديث الباب، حيث أقحموا فهمهم المحصور بالقصور والهوى في قول من قال فيه الحق: وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ.. ابتداء من المعتزلة الذي كرهوا حديث الذبابة رغم صحة سنده، وقد وجدوا فيه قرفا، وأصله منهم... وكذلك كثير من المتأخرين رغم تمكنهم في أمور الدين العملية كالفرائض والسنن وغيرهما...

وهذا كله راجع إلى الجهل المتحصل عن الذوات البشرية، وكيف ترقى النفس برقيها في محو الحجب المادية وتحرير الملكات الربانية القائمة في الإنسان سب شاكلته وتوجهه وتخصصه، ومن نفى هذا جهلا أو عنادا فقد أثبت لنفسه جهلا في عظيم خلق الله وفي جليل علم الله وفي حسن فهمه عن سيدنا وحبيبنا محمد رسول الله...

نقول لهؤلاء الإخوة الكرام الذين هرفوا بما لم يعرفوا في باب الطب النبوي، أن الأحاديث الواردة في هذا الباب هي انوار نورانية وليست أحكام قطعية، ومن خصائص الأنوار أنها ذات شعب، قد تغير لونا حسب الطباع أو شكلا حسب البقاع، أو تتشكل ألوانها تبعا لألوان الإصابة الناجمة عن هوى الابتداع... ويبقى الحكم بها موقوف على التلونات المعرفية في الحقيقة، أو التجارب المخبرية في الطبيعة... فإذا صادف الطبيب الحذق أو المعالج الدقيق هذه المواصفات وفهم هذه المعاني الربانية في حديث الرسول الكريم، ولم يقف مع الأواني المادية التي وقف معها أطباء المادة أو علماء (المادة)...

خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، ولما اختار لنفسه أسفل سافلين جهلا أو قهرا فكان جبره يسيرا، أو اختيارا وليس اضطرارا فكان علاجه عسيرا، أقره الله بحكمه وعدله على ما اختاره لنفسه... وهو سبحانه أرحم الراحمين، وما أرسل رسوله إلا رحمة للعالمين.. أيكون من الدين ما ليس فيه: وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ؟؟ أيكون في الدين ما يجهله النبي الكريم مما نزل عليه من قوله تعالى: قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞۚ.. وما فيه شفاء للناس عامة وليس للمومنين خاصة... (وقد سبق المعنى أن المقصود بذكر العسل هو دلالة على وحي الله للنحل في صناعته، وهو قياس لصناعة دواء ربانية)..

أقول: من آمن بالقرآن أنه من عند الله وآمن ان الرسول نبي الله، استحال في حقه أن يجد الأعذار في اتهام أحاديث الرسول الكريم، أو أنه صلى الله عليه وسلم جاء مبشرا ونذيرا ولم يأت طبيبا أو معالجا... حتى أن فتاوي وردت أن أفعال النبي الكريم في الدنيا ليست تشريعا، فقد يخطئ صلى الله عليه وسلم من حيث يصيب غيره... واستدلوا بقوله تعالى في حقه صلى الله عليه وسلم: (قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ) وقوله تعالى: (سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا) وهذا أكبر دليل أنهم لم يفهموا معنى "يُوحَىٰٓ إِلَيَّ "من الآية الأولى و "بَشَرٗا رَّسُولٗا " من الآية الثانية...

واستدلوا كذلك بتذكير النخل، وقوله صلى الله عليه وسلم في القضاء: إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي (الحديث)... ومؤلفات صدرت كمثل الآيات المشكلة في القرآن والأحاديث المشكلة في الطب النبوي، والأحاديث المشكلة الواردة في الداء.. وفي الدواء.. ومن أراد أن يجد لهذا اسما فهو: "العقول المشكلة" في فهم كتاب الله وسنة رسول الله.. وهذا كله تطاول على حقيقة التخصص وأفتراء على حقيقة السنة ومحض نفع الناس...

ولو أراد الممتهنون الدين أن ينصفوا أنفسهم ولا يبخسوا الناس أشيائهم، لدعوا بإلحاح إلى فتح أبواب البحث حسب التخصصات الواردة في أنوار الحديث، من أطباء مختصين وعلماء التغذية وعلماء الفيزياء والزراعة، وكل التخصصات... أما وأن يوضع النبي الكريم في ميزانهم، وأن يشار إلى أحاديثه بالتقصير، فهذا وقد صدر من مسلمين فلا تعليق ..

وكيف يدرك في الدنيا حقيقته *** قوم نيام تسلوا عنه بالحلم

فمبلغ العلم فيه أنـــه بشــــــــــــــــــــــــــــر *** وأنه خير خلق الله كلهــــــــــــــــــــــــــــــــم

حقيقة الطب النبوي نابع من كمال ذاته الطيبة الشريفة صلى الله عليه وسلم، ولا نقول أكثر من ذلك لأنه يرهق عقول البعض ويثقل على فهمهم الراكد أمام الماديات والمتصلب أمام الملموسات، وإن كان الطب العادي الواقعي يؤمن به ولا يعمل عليه لقلة إمكانياته الآلية وشح موارده المعلوماتية وقلة النفع المادي منه..

فإذا رجعنا إلى بعض التدخلات النبوية لبعض المشتكين من الأمراض في عهده الشريف، ونستشف من تدخلاته صلى الله عليه وسلم في بعض الحالات وما يترتب على تشخيص الحالات والتدخل المستعجل وإشراك المريض القرار، نعرف معنى حقيقة الطب النبوي ومقاصده ومرامية، بل وكيف يبنى علم الطب الرباني وكيف هي أصوله وقواعده، من هذه الحالات ما يلي:

الحديث الأول: من رواية ابن عباس أن: إمرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي.. قال صلى الله عليه وسلم: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك.. فقالت أصبر.. فقالت إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف.. فدعا لها... فلم تتكشف المرأة بعدها وبقيت تصرع إلى أن توفيت على ذلك الحال، وكان يسميها ابن عباس إمرأة من أهل الجنة..

الحديث الثاني: عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادع الله أن يعافيني.. قال: إن شئت دعوت لك وإن شئت أخرت ذاك فهو خير.. فقال ادعه.. فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي اللهم شفعه في... فدعا الرجل وتوسل بالنبي في دعائه ورجع إليه بصره...

وفي هذين الحديثين تشخيص رباني لا نظير له ولا مثيل، بصرف النظر على ما اختلف فيه العلماء في الحديث الأول ما هو الصرع من الريح وهل المقصود به البرد أو رياح الجن؟... وفي الحديث الثاني: هل يجوز التوسل بالنبي في حياته أو بعد مماته... وتراشقت التهم بالتفسيق والتبديع وأحيانا التكفير وحقيقة البحث بقيت وراءهم ظهريا..

من تأمل قول النبي الكريم يعرف معنى حقيقة تشخيص المرض عند المصاب، أو بكلمة أدق: سنة تشخيص المرض عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تمعن في حديث النبي الكريم يدرك أنه صلى الله عليه وسلم علم تمام العلم أسباب العلة أو الإصابة عند المرأة المصروعة وكذلك عند الرجل الضرير، ورأى بعين بصيرته البشرية أبعادها في حياة الفرد المصاب وحتى بعد مماته.. فبين للمرأة وأشركها القرار فقال لها: إن شئت صبرت ولك الجنة.. وقال للرجل: وإن شئت أخرت ذاك فهو خير... فاختارت المرأة فدعى لها لما اقتنعت به، وألح الرجل ولم يدْع له ولكن اعطاه وسيلة الدعاء.. فحصل الشفاء لكليهما!!!

انا أقول لسادتي العلماء، وفي هذه كذلك ذكِّروا بقوله تعالى: (قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ) وقوله تعالى: (سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا).. وهذا واقع، وأنه صلى الله عليه وسلم يسن من الشرائع ما يهدي وينفع، وكذلك من العلوم ما يقوّم ويرفع... وهذا المقصود بالدين، وهذا المقصود بالشرائع، ومن راجع لبناتها في العصور الذهبية يجد ازدهارا مجملا لا نظير له في الحياة العامة بين الصحة والاقتصاد وحقوق النساء وحقوق الأطفال وحقوق الأقليات (كما تحاسب عليها الدول الإسلامية حاليا) وكذلك في الدفاع والجوار والحرية في التعبير والتنقل وفي كل الأنشطة شريطة ألا تمس حريات الغير... ولولا هذا التحرر ما أنشأت جامعات في كل التخصصات وفي الكيمياء التي تسمى الآن كيمياء سحرية بهتانا، وهي في الواقع كيمياء حقيقية، عجزت الأرحام أن تلد من يعرف حتى اللغة التي دونت به... ويأتي الزمان إن كانت الإرادة في الرجوع إلى المنهج الحق، ويفتح للأمم ما حرموا أنفسهم منه خلال قرون من ربانية العلم وحقيقة الحكمة...

الحديث الشريف يلزمه تخصصات زائدة في علم الحديث (لم يتنبه إليها علماء الحديث على الأقل إلى الآن) وهي تخريج انوار الحديث من جوهر سنده ورجاله وصيغته ومعناه حتى يعرف المخاطب به والمقصود من الخطاب (فإن في ذلك فرق) وهذا الذي يشكل على بعض الناس فيجدون تضاربا في الأحاديث، أو يجد كل من المتخاصمين الفرار إلى معنى يرضاه والآخر إلى غيره يعاضه... فإذا أضيف هذا التخصص على التخصصات الأخرى فيبقى تخصص ثالث هو: الإحالة.. وهو أن ينظر فيه من الوجهات العلمية المادية والنفسية... فإن فعلنا ذلك لن نجد أي تضارب بين الأحاديث، ولن يجد أحد حديثا يسميه الحديث المشكلة، أو آية يسميها الآية المشكلة... (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَنكَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ)..

لعل القلم أخذني فأعتذر..

أما في أحاديث الرسول الكريم المتعلقة بالطب فيجب أن تؤخذ كقاعدة بيانات، لأنها تتعلق بالعلم، ولا ضير أن يعتبر في أحاديث العلم ما اعتمد في أصول الفقه العقلية كالقياس والمصالح المرسلة وسد الذرائع كما هو الحال في الفقه المالكي... فإذا تأملنا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) وفهمناه على مقتضاه (وليس على الاستعارة كما يدعي البعض).. ولو فهمنا بعضا من الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم: غطوا الإناء وأوكوا السقاء وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج.. فإن الشيطان لا يحل سقاء ولا يفتح باباً ولا يكشف إناء... وفي حديث آخر: غطوا الإناء، وأوكوا السقاء ؛ فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء ... وفي تأكيد آخر له على ذلك صلى الله عليه وسلم قال: فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عوداً، ويذكر اسم الله فليفعل!!!...

فلو كنا من أهل محبة السنة حقا وصدقا لدخلنا على الأقل بهذه الأحاديث في ميادن تجارب طبنا أو الوقاية فقط، فإننا إن فعلنا فتحت لنا أبواب من الفهم عن النبي وعن سنته الطاهرة وحديثه الشريف، مرفوقة بأبواب من الطب النفسي لا نظير لها ولا شبيه، ومع أدوات القياس نصل بها إلى تشخيص سليم في طب وظائف الأعضاء الظاهرة والباطنة (وقد جربنا ذلك فوجدنا فيه العجب العجاب من الاستجابة للشفاء)...

وقد جربنا بعضا من هذه الأعمال في أحاديث الحجامة في أول باب من هذا البحث، وكذلك في النظام الغذائي كما ورد في القرآن، أو كما دلت عليه السنة المحمدية الشريفة...

فالمشروط أن يحمل الطب النبوي على أكف الإيمان، وينقل بخطى الاطمئنان، وينظر إليه بأعين الإحسان، فإنه من نعم الله تعالى للعباد، فالإسلام يربط بين صحة الإنسان وسلامته، وإصابته وعلته.. ولا سلامة في الإسلام إلا إذا سلم الفرد في ظاهره وباطنة، ولا سلامة له في جسد دون عقل، ولا في عقل دون قلب وإحساس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: المسلم من سلم الناس من لسانه ويده،والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه.. وفي رواية أخرى: والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم...

الطب النبوي يعالج كل هذه العلل.. ويجب أن تربط الأحاديث بأجناسها كما جمعت في أبوابها، ونحتاج في ذلك إلى تخصصات فوق العادة.. فإذا قال العليم الحكيم: فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ..(فهذا دليل أن أصل المرض من السلوك السيء) ودليله قوله تعالى بعده: وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ.. (والعذاب يأتي من عدم توافق برامج وظائف الأعضاء مع سوء الأفعال والأحوال) وملخصه في الأقوال المعبرة عن الأحوال جلي في قوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ ، أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ...

هذا هو الطب الذي كان يدعو إليه النبي الكريم ويدل عليه في نبوته ورسالته وآدميته وعلمه وروحه وقبضه وبسطه صلى الله عليه وسلم وشرف وعظم، فإذا نظر عليه الصلاة والسلام في الأمر رأى سره ونوره، وإذا عبر عنه اقتضى ذلك إشراك طبعه الآدمي، وخفظ جناحه للمومنين.. فجمع بين النور والدلالة وإفهام السائل أو السامع أو إبلاغ الأمة.. وكل ذلك يجمع بين الأنوار والأسرار والدلالات في حديثه الشريف.. فمن نظر إلى الدلالات وغيب الأنوار والأسرار فقد أعوزه الفهم عن حقائق الأمور، ومن نظر إلى الأنوار والأسرار وغيب الدلالات أجزاه يقينه في معالجة الأمور، ومن نظر إلى الكل بالكل وإلى الجزء بالكل صادف السنة وكان على منهج الطب النبوي الشريف، والإيمان والتصديق بمن بعثه الله رحمة للعالمين... .

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire