تمهيــــــــــد

Iqad al himam

طريق أهل الله أسمى من أن يؤثر فيها مدح المادحين فكيف يؤثر عليها كيد الكائدين، و محجة رسول الله محفوظة بما حفظ به الذكر الحكيم، لأنها الصراط المستقيم، فسبحان من أكرم بها بفضله و كرمه من استحق، و أبعد عنها بعدله من تمرد و أنكر و من السنة مرق (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)

أما بعد، فهذا الكتاب الجليل القدر عند أهله، لا يصل إلى خباياه و أسراره إلا من أراد الله به خيرا بمنه و كرمه، و كان بفضل الله عليّ، رغم جهلي به، قد أهداه إليّ سيدي و شيخي مولاي رشيد رضي الله عنه و أرضاه، مع تمهيد له كان من قبل و مع و من بعد، فحصل لي منه بفضل الله بسط كبير و تحصيل غزير، فلله الحمد و الشكر، كيف لا و هو يغنيك عن جميع كتب القوم، لأنه لخص جميع كلام القوم، و بالخصوص أعذب الطرق و أنقاها، و هي الشاذلية، على يد أشمخ فحولها في الإشارة و العبارة، سيدي ابن عطاء الله، و تناول شرحها و تبيانها من أكرمه الله من العلماء المعاصرين بالاحتكاك مع الشيوخ الراسخين و الفحول الشامخين، و في مقابلتهم هرم من القراء الجاهلين و المعلمين الجاحدين، فكانت الدلالة في تعبيره صائبة، و الإشارة قريبة، جزاه الله عنا و عن المسلمين خيرا، و هو الشيخ سيدي أحمد بن المهدي بن عجيبة رضي الله عنه و أرضاه.

و في آخر الكتاب وجدت إشارة من الشيخ رضي الله عنه يقول فيها: (... فما كان من نقص كملوه، و ما كان من خطأ أصلحوه، فقلما يخلص مصنف من هفوات، أو ينجو مؤلف من عثرات... )

و حاشا أن يكون لمثلي ما يصلح به خطأ الرجال أو ما يكمل به ما انتقص عند الشوامخ من الجبال، و لكن النقص الحاصل هو عند القاصرين مثلي، و الخطأ هو عند المقصرين مثلي، في فهم المقالات و رقيق العبارات و دقيق الإشارات، فاستشرت شيخي في أن أجعل لهذا المصنف أبوابا، يسهل الدخول بها إلى هذا الكتاب، و يفرق فيه بين الأبواب، لكي يسهل الرجوع إليه، و يتم الانتفاع به، و كذلك إصلاح ما هفت به أصابع النقال في دور النشر، فتناوله أهل الإعراض و الهوى فأثر في أهل البدع و الدعوى، عفا الله عن الجميع..

فالنصيحة النصيحة.. لإخواننا في الدين و بني جلدتنا من المسلمين، الذين اعتمدوا ظواهر أمور الدين دون سواها، جاحدين و منكرين جواهر العلوم في تربية النفوس و توجيه القلوب إلى سيدها و مولاها، فوقع لهم قدح في البصائر و إخماد لأنوار السرائر، فلو التزموا بأشراط ما به آمنوا لكان خيرا لكم، و لو سلموا بما عنه لم يفهموا لكان خيرا لهم، فما ظهر أمر إلا من باطن خفي، و ما بطن شيء إلا من ظاهر جلي، و تلك حكمة الحكيم العلي..

أصول الأصول هي غاية ما دل عليه الحبيب الرسول، و علوم الأصول آليات تقوّم حقيقة المنقول، و أصول العلوم يجب أن تتناول بين دفتي: إيمان بقلب و لب بفكر، منسابان في سياق واحد لا عوج له، متجهان إلى مقصد واحد لا ثاني له، سر ما نطق به الذكر الحكيم و نور ما وضحته سنة رسول رب العالمين..

فالكريم جل في علاه عندما قال: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) دليل على أنه سبحانه أوجد أصولا وقائية و فقها وقائيا لما ظهر من الفواحش و لما بطن منها، و سيرا محمديا للنجاة أو الخروج مما حرم سبحانه كل حسب أصله و فصله، فإذا عالج فقه الشريعة الصلاة، من باب الطهارة لها إلى وجوب وقتها إلى البقعة التي تقام فيها، إلى أركانها و سننها و مبطلاتها، و تحدد ظاهر صحتها من بطلانه، فأي شرع يعين على توجه القلب و سكونه، و رضوخه و حضوره، و قد ثبت: ( أن ليس للمصلي إلا ما حضر في صلاته) و كذلك في سائر الأعمال و قد ثبت: ( أن الله لا يقبل إلا ما كان خالصا لوجهه).. فكيف يوجه العبد قلبه و كيف يتقي ربه، و الله يقول الحق: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)..

فكما تخصصت بحكمة الله علوم في عصر المجتهدين، حفظت للأمة ظاهر شريعتها، تخصصت كذلك علوم تحفظ للأمة رقائق إيمانها و لب عقيدتها، و صدق الشاذلي عندما قال: من لم يعرف طريقنا هذا مات إن شاء على الكبائر..

التصوف علم أهل الخاصة في توحيد الملك الحق المبين.. و هو حقيقة سنة سيد الأولين و الآخرين.. مادته تهذيب السلوك، بامتثال أوامر و اجتناب نواهي ملك الملوك، و هو أصعب العلوم على الإطلاق، و أدقها و أرقها بالاتفاق..

فتلزم لمن طلبه فيه استخارة و استشارة، فليس طالب وصل إلى المطلوب، و كثير ممن رغب حجب عن مرغوبه، لذا تجد كثير من إخواننا يقول عاشرناهم فوجدناهم خرافيين أو عن السنة مارقين.. فنقول لهم: بل قولوا طرقنا باب القرب و الرجاء فكان نصيبنا منه البعد و الجفاء، فكثير هاجر، و كل كانت هجرته إلى ما هاجر إليه، و الأعمال بالنيات، و لا يرشح الإناء إلا بما فيه..

فإن أذن صاحبه بالدخول.. فلا بد أن يكون ذلك على يد شيخ لا يشك في صدقه، أو بصحبة أخ جليل لا تترك أخلاقه لك أدنى شك في كمال إسلامه و إيمانه، و سلوكه أدنى ريب في استقامته، و يكون غرضك فيه التمسك بجبل الله، و اتباع سنة رسول الله، و الغاية منه هو رضى الله..

 

و إن لم تجد شيخا أو رفيقا، أو لم تجد في نفسك تصديقا، فلك في الشريعة ما يكفيك، و لك في ظاهر السنة و الكتاب ما يغنيك، و دع عنك ما لا تدركه لما تعرفه، و سلم الأمر لأهله، فأهله هو القوم، إشاراتهم دقيقة، و عباراتهم أنيقة، ذوقهم خاص، و كلامهم خاص، لا يفهمه غيرهم، فمن جهل علما حق له فيه التسليم، عسى بتسليمه أن يحضا بنوع من التكريم..

و لا تكن ممن ضل و غوى، و لا تكن من أهل البدعة في الدعوى، فتصبــح من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، و قل رب أدخلني مدخل صدق و أخرجني مخرج صدق و اجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.

1 Commentaire(s)

  • Anonyme
    Répondre 

    Anonyme

    Dimanche 15 décembre 2019 à 19h59

    Chokran laja 3ala hadihi maw3ida ya ahbabi fi lah

Poster un commentaire