ليخفف ألم البلاء عليك أنه تعالى هو المبتلي لك، فالذي واجهتك منه الأقدار هو الذي عودك حسن الاختيار، و من ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره.

ليخفف ألم البلاء عليـك، علمـك بأنه سبحانه هو المبتلي لك

فالـذي واجهتـك منـه الأقــدار هـو الـذي عـودك حسـن الاختيــار

قلـت: إذا أصابتك أيها الإنسان مصيبة، أو نزلت بك بلية في بدن أو أهل أو مال، فاذكر من أنزل ذلك عليك، و ما هو متصف به من الرحمة و الرأفة بك، و المحبة و العطف عليك، لعلك تفهم ما في طي ذلك من النعم، و ما يعقبه من سوابغ الفضل و الكرم، و لو لم يكن إلا تطهيرك من الذنوب، و تمحيصك من العيوب، و تقريبك من حضرة علام الغيوب، فهل تعودت منه إلا الإحسان، و هل رأيت منه إلا غاية المبرة و الامتنان، فالذي واجهتك منه الأقدار هو الذي عودك حسن الاختيار، فالذي واجهتك منه أحكام قهره هو الذي عودك تمام إحسانه و بره، و الذي واجهتك منه ظواهر المحن هو الذي أسبغ عليك بواطن المنن، فالذي واجهتك من حضرة قهاريته الرزايا هو الذي أحفك بأنواع الكرامات و الهدايا، و لله در صاحب العينية حيث يقــول:

تلذ لي الآلام إذ أنت مسقمي

و إن تمنحني فهي عندي صنائ

تحكم بما تهواه فيّ فإنـــني

فقير لسلطان المحبة طائـــع

قال الجنيد رضي الله عنه: كنت نائما بين يدي السري، فأيقظني و قال لي، يا جنيـد: رأيت و كأنني وقفت بين يديه فقال لي: يا سري: خلقت الخلق فكلهم ادعوا محبتي، فخلقت الدنيا فهرب مني تسعة أعشارهم، و بقي معي العشر، فخلقت الجنة فهرب مني تسعة أعشار العشر و بقي معي عشر العشر، فسلطت عليهم ذرة من البلاء فهرب مني تسعة أعشار عشر العشر، فقلت للباقين معي، لا الدنيا أردتم و لا الجنة أخدتم و لا من النار هربتم، فما تريدون، قالوا إنك تعلم ما نريد، فقلت إني مسلط عليكم من البلاء بعدد أنفاسكم ما لا تقول له الجبال الرواسي، أتصبرون قالوا: إن كنت أنت المبتلي فافعل ما شئت.. هؤلاء عبادي حقــا/.

و قال في التنوير: و إنما يعينكم على حمل الأحكام فتح باب الإفهام، و إن شئت قلت: و إنما يقويهم على حمل البلايا واردات العطايا، و إن شئت قلـت: إنما يقويهم على حمل أقداره شهود حسن اختياره، و إن شئت قلـت: و إنما يصبرهم على وجود حكمه علمهم بوجود علمه، و إن شئت قلـت: إنما يصبرهم على أفعاله ظهوره عليهم بوجود إجمالـه، و إن شئـت قلـت: إنما صبرهم على القضاء علمهم بأن الصبر يورث الرضى، و إن شئت قلـت: إنما صبرهم على الأقدار كشف الحجب و الأستار، و إن شئـت قلـت: إنما صبرهم على أقداره علمهم بما أودع فيه من لطفه و إبراره /.

 

اللطف ملازم مع البلاء

 

و مــن ظـن انفكـاك لطفـه عن قدره، فـذلك لقصـور نظــره

قلـت: من أعظم إحسان الله و بره كون لطفه لا ينفك عن قدره، فما نزل القدر إلا سبقه اللطف و صحبه، و بهذا حكم النقل و العقل، فما من مصيبة تنزل بالعبد إلا و في قدرة الله ما هو أعظم منها، و قد وجد ذلك، فإذا نزلت بك أيها الإنسان مصيبة، فاذكر من هو أعظم منك بلاء، فكم من إنسان يتقطع بالأوجاع، و كم من إنسان مبتلي بالجدام و البرص و الجنون و العمى، و كم من إنسان مطروح في الفنادق لا يجد من يبريه إلا من ابتلاه، و كم من إنسان أعمى أو مقعد أو محموم إلى ما لا يتناهى، نسأل الله عافيته الدائمة في الدارين..

و أما من جهة النقل فقد ورد في ثواب الأمراض و الأوجاع أحاديث كثيرة، و آيات قرآنية في مدح الصابرين منها قوله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)الزمر الآية10، و قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) البقرة 155، و قوله تعالى:( إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) إلى غير ذلك من الآيات، و قول رسول الله صلى الله عليه و سلم: " ما يصيب المؤمن و صب و لا نصب و لا سقم و لا حزن حتى الشوكة يشاكها و حتى الهم يهمه إلا كفر به سيآته"، و ورد في الحمى كثيرة، و أن حمى ساعة تكفر سنة، إلى غير ذلك، و قد ذكر الشيخ ابن عباد رضي الله عنه منها جملة شافية، فليطالعه من أراد تكثير الأجور و رفع الستور و الرضى بالمقدور، و ما ذكرناه كافي إن شاء الله، و كان شيخ شيخنا رضي الله عنه يقول: كلام النية قصير و بالله التوفيق، فالأمر واضح لمن هو لنفسه ناصح، فلا يخاف عليك من الجهل بالحق، و إنما يخاف عليك من غلبة الهوى و جهلة الخلق كما أشار إلى ذلك بقولــه:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire