البسط تأخد النفس منه حظها و القبض لا حظ للنفس فيه.

قلــت: لأن البسط جمال و القبض جلال، و من شأن الجمال أن يأتي بكل جمال، ثم هو عين الجلال، أين هو حبيبك، ثم عدوك، أين هو الربح، ثم هو الخسارة، و معنى ذلك أن الموضع الذي يلائم النفس و يليق بها، ثم هو خسارة القلب و حجاب الروح، لأن الموضع الذي تحيى به النفس يموت فيه القلب، و الموضع الذي تموت فيه النفس يحيى به القلب و الروح، و لذلك قال ابن الفارض رضي الله عنه:

الموت فيه حياتي

و في حياتي قتلي

و قال الششتري رضي الله عنه:

إن ترد وصلنا فموتك شرط

لا ينال الوصال من فيه فضله

و كتب يوسف بن الحسن الرازي رحمه الله إلى الجنيد رضي الله عنه: لا أذاقك الله طعم نفسك، فإنك إن ذقتها لم تذق بعدها خيرا أبدا /.

و قال أبو علي الدقاق رضي الله عنه: القبض حق منك، و البسط حقك منه، و لأن تكون بحق ربك أولى من أن تكون بحظ نفســك.

و هذا كله في حق السائرين، و أما الواصلون المتمكنون فلا يؤثر فيهم جلال و لا جمال، و لا يحركهم قبض و لا بسط كما تقدم لأنهم بالله و لله و من الله و إلى الله و بالله تصرفهم، و لله عبوديتهم، و من الله ورودهم، و إلى الله صدورهم، لأنهم لله لا لشيء دونه..

قال الجنيد رضي الله عنه: الخوف يقبضني، و الرجاء يبسطني، و الحقيقة تجمعني، و الحق يفرقني، إذا قبضني بالخوف أفناني عني، و إذا بسطني بالرجاء ردني علي، و إذا أجمعني بالحق أحضرني، و إذا فرقني بالحق أشهدني غيري فغطاني عنه، فهو في كل ذلك محركي غير مسكني، و موحشي غير مؤنسي بحضوري لذوق طعم وجودي، فليته أفناني عني فمتعني، أو غيبني عني فروحني /.

قوله رضي الله عنه: الخوف يقبضني، لأن العبد في حالة الخوف يشهد ما منه إلى الله من الإساءة، فيفتح له باب الحزن و في حالة الرجاء يشهد ما من الله إليه من الإحسان، فيفتح له باب الرجاء و البسط..

و قوله: و الحقيقة تجمعني أن تغنيني عن نفسي و تجمعني به، فلا تشهد إلا من الله إلى الله، فلا قبض و لا بسط..

و قوله: و الحق يفرقني، المراد بالحق الحقوق اللازمة للعبودية، فلا ينهض إليها إلا بشهود نوع من الفرق، و إن كان نهوضه بالله..

و قوله: إذا قبضني بالخوف أفناني عني، أي إذا تجلى لي باسمه الجليل، ذاب جسمي من هيبة المتجلي، و إذا بسطني بالرجاء، بأن تجلى لي باسمه الجميل أو الرحيم رد نفسي و وجودي علي، و إذا جمعني عليه بشهود الحقيقة أحضرني معه بزوال وهمي، و إذا فرقني بالحق الذي أوجبه علي للقيام بوظائف حكمته، أشهدني غيري حتى يظهر الأدب مني معه، و قد يقوي الشهود، فلا يشهد الأدب إلا منه إليه..

و قوله: فغطاني عنه، لأن العبد في حالة النزول إلى سماء الحقوق، أو أرض الحظوظ و قد يرجع لمقام المراقبة لكنه غير لازم و سيأتي للمؤلف بل نزلزا في ذلك بالله و من الله و إلى الله فلهذا لا تغطية للعبد في حالة النزول للحق أصلا..

وقوله: فهو في ذلك محركـي غير مسكني، يعني أن الحق تعالى حين يقبضه بالخوف أو يبسطه بالرجاء أو يجمعه بالحقيقة أو يفرقه بالحق هو محرك لع ليسيره إليه و يحوشه إليه، غير مسكن له في مقام واحد، و موحشه عن عالم نفسه غير مؤنس له بها بسبب حضوره مع عوالمه البشرية، فيذوق طعم وجودها، فإذا غيبه عنه عرف قدر ما منّ به عليه، و لذلك قال، فليته أفناني عني أي عن رؤية وجودي، فمتعني بشهوده، أو غيبني عن حسي فروحني من الحقوق التي تفرقني عنه بإسقلطها عني في حالة الغيبة، و كأنه مال إلى طلب السلامة خوفا من الوقوع فيما يوجب الملامة، و إن كان الكمال هو الجمع بين العبودية و شهود الربوبية، و الله تعالى أعلم..

 

السر في العطاء و المنع

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire