العارفون إذا بسطوا أخوف منهم إذا قبضوا، و لا يقف على حدود الأدب في البسط إلا قليل.

قلــت: كل من فتح له في شهود المعاني فهو عارف، فإن تمكن من شهود المعاني على الدوام فهو واصل متمكن، و إلا فهو سائر، و إنما كان العارف إذا انبسط أخوف منه إذا انقبض، لأن القبض من شأنه أن يقبض النفس عن حظوظها، و من شأنه أيضا السكون، و السكون كله أدب، و من شأن النفس أن يبسط النفس و ينشطها، فربما تبطش لما فيه حظها، فتزل قدم بعد ثبوتها بسبب قلة آدابها، و لذلك قــال: و لا يقــف على حــدود الأدب في البســط إلا قليــل..

قلـت: و هم أهل الطمأنينة و التمكين لأنهم كالجبال الرواسي، لا يحركهم قبض و لا بسط، فهم مالكوا الأحوال لا يخرجهم القبض و لا البسط عن حالة الاعتدال، بخلاف السائرين، و إن كانوا عارفين، فإنهم ربما تؤثر فيهم الواردات، فيرد عليهم وارد البسط فيخرجهم عن حد الأدب، و قد قيل: قف على البساط و إياك الانبساط، و قال رجل لأبي محمد الحريري رضي الله عنه: كنت على بساط الأنس و فتح علي طريق البسط، فزللت زلة فحجبت عن مقامي، فكيف السبيل إليه، دلني على الوصول إلى ما كنت عليه، فبكى أبو محمد و قال: يا أخي، الكل في قهر هذه الخطة، لكني أنشدك أبياتا لبعضهم، و أنشد يقول:

قف بالديـــتار، فهذه آثارهــم

تبكي الأحبة حسرة و تشوقا

كم قد وقفت بربعها مستخــــبرا

عن أهلها أو سائلا أو مشفقا

فأجابني داعي الهوى في رسمــــها

فارقت من تهوى فعز الملتقى

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire