الرجاء ما قارنه عمل، و إلا فهو أمنية.

قال بعض العلماء: الرجاء تعلق القلب بمطموع يحصل في المستقبل مع الأخذ في العمل المحصل له، و أقربه طمع يصحبه عمل في سبب المطموع فيه لأجل تحصيله /.

و الأمنية اشتهاء و تمني لا يصحبه عمل، فإن كان مع الحكم و الجزم فهو تدبير، و هو أتم قبحا قاله الشيخ زروق..

قلــت: فمن رجا أن يدرك النعيم الحسي كالقصور و الحور فعليه بالجد و الطاعة إلى نوافل الخيرات، و إلا كان رجاؤه حمقا و غرورا، و قد قال معروف الكرخي رضي الله عنه: طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب، و ارتجاء الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور، و ارتجاء رحمة من لا يطاع جهل و حمق، و قيل من زعم أن الرجاء مع الإصرار صحيح، فكذلك فليزعم أن الربح مع الفقر، و وقد النار من البحر صحيح..

و من كان رجاؤه تحقيق العلوم و فتح مخازن الفهوم، فعليه بالمدارسة و المطالعة و مجالسة أهل العلم المحققين العاملين مع تحليته بالتقوى و الورع، قال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة/282.. فإن فعل هذا كان طالبا صادقا، و إلى ما رجا واصلا، و إلا كان باطلا و بقي جاهلا..

و قد قال بعض المحققين، من أعطى كليته في العلم أخذ كليته، و من يعط كليته لم يأخذ بعضه و لا كليته، و في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم: " إنما العلم بالتعلم و إنما الحلم بالتحلم، من يطلب الخير يؤته و من يتق الشر يوقه"..

و الذي تفيده التقوى إنما هو فهم يوافق الأصول، و يشرح الصدور و يوسع المعقول، و من كان رجاؤه الوصول إلى إدراك المقامات و تحقيق المنازلات، و مواجيد المحبين، و أذواق العارفين، فعليه بصحبة الفحول من الرجال، أهل السر و الحال، بحط رأسه و ذبح نفسه، و الأخذ فيما كلفوه به من الأعمال مع الذل و الافتقار و الخضوع و الانكسار، فإن زعم أنه لم يجدهم، فليصدق في الطلب، فالسر كله في صدق الطلب، و ليستغرق أوقاته في ذكر الله و ليلتزم الصمت و العزلة، و ليحسن ظنه بعباد الله، فإن الله يقيض له من يأخذ بيده، (إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) الأنفال/70..

قال في القواعد: قاعدة طلب الشيء من وجهه و قصده أقرب لتحصيله، و قد ثبت أن حقائق علوم الصوفية منح إلهية، و مواهب اختصاصية، لا تنال بمعتاد الطلب، فلزم مراعاة وجه ذلك، و هو ثلاث:

أولها: العمل بما علم قدر الاستطاعة..

الثاني: اللجوء إلى الله قدر الهمة..

الثالث: إطلاق النظر في المعاني حال الرجوع لأصل السنة، فيجري الفهم و ينتفي الخطأ و يتيسر الفتح..

و قد أشار الجنيد رضي الله عنه إلى ذلك بقوله: ما أخذنا التصوف عن القيل و القال، و المراء و الجدال، إنما أخذناه عن الجوع و السهر و ملازمة الأعمال، أو كما قال..

و في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم:" من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم" و قال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه: فإذا اعتقدت النفوس على ترك الآثام جالت في الملكوت و رجعت إلى صاحبها بلطائف العلوم من غير أن يؤدي إليها عالم علما/.

فمن كان رجاؤه أن يدرك هذه الأمور المتقدمة، و شرع في أسبابها و تحصيل مبادئها كان علامة على نجح مطلبه، و كان رجاؤه صادقا، و من طمع فيها من غير أن يأخذ بالجد في أسباب تحصيلها كان أمنية أي غرورا و حمقا، و كان الحســن رضي الله عنه يقول: يا عباد الله اتقوا هذه الأماني، فهي أودية النوكي يحلون فيها، فوالله ما أتى الله عبدا بأمنية خيرا في الدنيا و الآخرة/, و النوكي بفتح النون جمع أنوك و هو الأحمق..

 

مطلب العارفين من الله

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire