الحزن على فقدان الطاعة مع عدم النهوض إليها من علامات الاغترار.

قلــت: الحزن هو التحسر على شيء، فإن لم تحصله و ندمت على تحصيله، فإن كان حزنك على شيء منعت منه و نهضت إلى أسبابه الموصلة إليه فهو حزن الصادقين، و فيه قال أبو علي الدقاق: يقطع صاحب الحزن في شهر ما لا يقطعه غيره في سنين، و إن لم تنهض إلى أسبابه فهو حزن الكاذبين، و إن كان على ما فات، و نهضت إلى استدراك ما يمكن استدراكه فهو حزن الصادقين، و إن لم تنهض إلى استدراكه فهو حزن الكاذبين، و قد سمعت رابعة العدوية رجلا يقول: وا حزناه، فقالت له: قل وا قلة حزناه، فلو كان حزنك صادقا لم يتهيأ لك أن تتنفس /.

و قال أبو سليمان الداراني رضي الله عنه: ليس البكاء بتعصير العيون، إنما البكاء أن تترك الأمر الذي تبكي عليه، و قيـل: لا يغرنك بكاء الرجل، فإن أخوة يوسف جاؤوا عشاء أباهم يبكون، و قد فعلوا ما فعلوا /.

فالحزن على فقدان الطاعة مع عدم النهوض إلى استدراك ما فات منها، أو تحصيل ما حضر منها، من علامة الاغترار أي الغرور، و هو الركون إلى ما لا حقيقة له، و الاغترار قبول الغار و الانقياذ إلى غروره و خدعه، و الحزن ينقسم إلى ثلاثة أقسام: حزن الكاذبين و الصادقين و الصديقين السائرين..

فحزن الكاذبين هو ما تقدم من عدم النهوض و الاستدراك لما فات..

و حزن الصادقين هو الحزن المصحوب بالجد، و الاجتهاد و التوسط في العمل، و الاقتصاد مع اغتنام ما بقي من الأوقات لاستدراك ما فات..

و حزن الصديقين من السائرين، و هو الحزن على فوات الأوقات، أو حصول شيء من الغفلات، أو وقوع ميل، أو ركون إلى الحظوظ و الشهوات، إلا أن حزنهم لا يدوم، إذ لا يقفون مع شيء و لا يقبضهم شيء.

و أما الواصلون فلا خوف عليهم و لا هم يحزنزن، قال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) يونس 62، و إنما الحزن يكون على فقد شيء، أو فوات غرض، و ماذا فقد من وجد الله، 'وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) فاطر/34، و في هذا المقام ينقطع البكاء إذ لا بكاء في الجنة، و قد رأى الصديق قوما يقرؤون و يبكون، فقال كذلك كنا، ثم قست القلوب، فعبر بالقسوة عن التمكين أدبا و تسترا، لأن القلب في بدايته رطب يتأثر بالمواعظ و تحركه الأحوال، فإذا استمر معها و تصلب لم يتأثر بشيء، و يكون كالجبل الراسي، (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ)..

تنبيــه: قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: من لم تطاوعه نفسه على النهوض إلى الطاعات، و أخلدت إلى أرض الشهوات، فدواؤه في حرفين:

الأول أن يعلم منة الله عليه بالهداية و الإسلام و محبة الإيمان، فيشكر الله عليها ليحصن بقاءها عنده..

الثاني، دوام تضرعه و ابتهاله في مظان الإجابة قائلا رب سلم سلم، و إن أهمل هذين الأمرين فالشقاوة لازمة له..

 

علامة العارف في الطلب

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire