من جهل المريد أن يسيء الأدب فتتأخر العقوبة عنه، فيقول: لو كان هذا سوء أدب لقطع الإمداد و أوجب الإبعاد، فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر، و لو لم يكن إلا منع المزيد، و قد يقام مقام البعد و هو لا يدري، و لو لم يكن إلا أن يخليك و ما تريد.

قلــت: من الأمور المؤكدة على المريد الصادق أن يراعي الأدب مع الله في كل شيء، و يلتزم التعظيم لكل شيء، و يحفظ الحرمة في كل شيء، فإذا أخل بشيء من هذه الأمور، و أساء الأدب مع ربه فليبادر بالتوبة و الاعتذار، مع الذلة و الانكسار، فإن أخر التوبة إلى وقت آخر انقطع عنه الإمداد و استوجب الطرد و الإبعاد، و قد لا يشعر بذلك في الحين فيحتجّ على نفسه و يقول: لو كان هذا سوء أدب لانقطع عني المدد، و هذا منه جهل قبيح يفضي إلى العطب إن لم تدركه العناية من رب الأرباب.

و إنما كان هذا جهلا من المريد لانتصاره لنفسه وقت سوء أدبه، و عدم شعوره بنقصان قلبه، إذ لو كان عالما بمخادع النفس لاتهمها و ما انتصر لها، و لو كان عارفا بربه لشعر بنقصان قلبه، فقد جمع بين جهالة و جهل، فالجهالة هي سوء الأدب الذي صدر منه، و الجهل هو مخاصمته عن نفسه، و إنكاره أن يكون ما صدر منها سوء أدب، و ما احتج به من كونه لم يحس بالعقوبة، و لو كان ذلك سوء أدب، لأحس بقطع الإمداد، و لأوجب الطرد و الإبعاد، فقــد يقطع عنه المدد و هو لا يشعر، و مثال ذلك الأشجار التي على الماء، فإن قطع عنها الماء لا يظهر عليها أثر العطش إلا بعد حين، فإن طال الأمر يبست شيئا فشيئا، كذلك قلب المريد، قد لا يحس بقطع المدد في القرب حتى يغرق في الوهم و يحترق بالحس، فإن كانت له سابقة خير تاب و أصلح ما فسد، فيرجع إليه المدد، و إن لم تكن له سابقة رجع إلى وطنه و أقام في بعده، نسأل الله السلامة من سلب نعمة بعد عطائه.

و لو لم يكن من العقوبة إلا منع المزيد من السير أو الترقي لكان كافيا، لأن من لم يكن في زيادة فهو في نقصان، و من كان يومه شرا من أمسه فهو في الخسران.

و قوله في الاحتياج أيضا، لو كان هذا سوء أدب لأوجب الإبعاد، فقد يقوم مقام البعد و هو يظن أنه في محل القرب، لأن مراتب القرب و البعد لا نهاية لها، و ما من مقام في القرب إلا و ما بعده أعظم منه، حتى يكون ذلك القرب بالنسبة لما بعده بعدا، و لو لم يكن ذلك البعد إلا أن يتركك مع ما تريد لكان كافيا في الطرد و البعد، فإذا ترك العبد مع هواه و شهواته فذلك من علامة الإهمال، و إخراج العبد عن هواه و ما تركن إليه نفسه فذلك من علامة الاعتناء و الإقبال، فإذا اعتنى الله تعالى بعبد، و أراد أن يوصله إلى حضرته، شوش عليه كل ما تركن إليه نفسه، و أزعجه طوعا أو كرها، حتى يؤيسه من هذا العالم، و لم يبق له ركون إلى شيء منه، فحينئذ يصطفيه لحضرته و يجتبيه لمحبته، فليس له حينئذ عن نفسه أخبار، و لا مع غير الله قرار، و أصل ذلك قضية سيدنا موسى عليه السلام لما علم الله محبته لعصاه و ركونه إليها قال له الحق تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) أي حوائج أخر.. ( قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى) {طه/20.. فلما فر عنها و قطع يأسه منها، قال له خذها و لا تخف، فإنها لا تضرك حيث رجعت إليها بالله..

و يقال للفقير: و ما تلك بيمينك أيها الفقير، فيقول: هي دنياي أعتمد عليها و أقضي بها مآربي، فيقال له: ألقها من يدك، فإذا هي حية تسعى كانت تلدغه و هو لا يشعر، فإذا أيس منها و استأنس بالله و اطمأن به قيل له: خذها و لا تخف، إنك تأخذها بالله لا بنفسك، و الله تعالى أعلم..

و مواطن الآداب التي يخل بها المريد فيعاقب عليها ثلاثة: آداب مع الله و رسوله، و آداب مع الشيخ و آداب مع الإخوان، فأما الآداب مع الله باعتبار العوام، فبامتثال أمره و اجتناب نهيه، و مع رسوله باتباع سنته و مجانبة أهل البدعة، فإذا قصروا في الأمر أو خالفوا في النهي عوقبوا عاجلا في الحس، أو آجلا في المعنى، و أما باعتبار الخواص، مع الله بالإكثار من ذكره و مراقبة حضوره و إيثار محبته، و زاد الشيخ زروق: و حفظ الحدود و الوفاء بالعهود و التعلق بالملك الودود و الرضى بالموجود و بذلك الطاقة و المجهود..

و مع رسول الله صلى الله عليه و سلم، بإيثار محبته و الاهتداء بهديه و التخلق بأخلاقه، فإذا قصروا في ذكره أو جالت قلوبهم عن غير حضرته، أو مالت محبتهم عن شيء سواه، أو قصروا في شيء مما تقدم، أو حلوا عقدة عقدوها مع الله، عوقبوا في الحس بالضرب أو السجن أو الإذاية باللسان، أو في المعنى، و هو أشد، كقطع المدد و إيجاب الطرد و الإقامة مقام البعد..

أما باعتبار خواص الخواص، و هم الواصلون، يكون مع الله بالتواضع معه في كل شيء و التعظيم لكل شيء و دوام معرفته في تجليات الجلال و الجمال، أو مع اختلاف الآثار و تنقلات الأطوار، و مع رسول الله بالتحقق بحسبه، و تعظيم أمته و شهود نوره كما قال أبو العباس المرسي: لي ثلاثون سنة، ما غاب عني رسول الله صلى الله عليه و سلم طرفة عين، و لو غاب عني ما عددت نفسي من المسلمين..

و إذا قصر العارف فيما تقدم في حقه أو في حق غيره من الآداب عوقب في الحس أو في المعنى، و الغالب تيقظه في الحين فيستدرك ما فات (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) الأعراف/201، فهذه جملة الآداب التي تكون مع الله من العوام و الخواص و خواص الخواص، أو تقول من الطالبين و السائرين و الواصلين و الله تعالى أعلم..

و أما الآداب التي تكون مع الشيخ فمرجعها إلى ثمانية أمور، أربعة ظاهرة و أربعة باطنة..

فأما الظاهرة:

الأول: امتثال أمره و إن ظهر له خلافه، و اجتناب نهيه و إن كان فيه حتفه، فخطأ الشيخ أحسن من صواب المريد..

الثاني: السكينة و الوقار في الجلوس بين يديه، فلا يضحك بين يديه و لا يرفع صوته عليه و لا يتكلم حتى يستدعيه للكلام، أو يفهم عنه بقرائن الأحوال، كحال المذاكرة بخفض صوت و رفق و لين، و لا يأكل معه و لا بين يديه، و لا ينام معه أو قريبا منه، قال شيخ شيوخنا رضي الله عنه في كتابه:

و من آداب المريد مع الشيخ أن لا يأكل معه، و لا ينام معه، و لا يضحك بين يديه، و لا ينام في فراشه، و لا يجلس في موضع جلوسه، و لا يتكلم في مجلس الشيخ و لو كلمة واحدة، و الكلام فيه سوء الأدب أكثر من كل شيء، و كل ما يشبه هذه الأوصاف يؤدي لعدم التعظيم و الازدراء بجانب الشيخ، و ذلك هو الخسران المبين و العياذ بالله من السلب بعد العطاء و الطرد بعد الإقبال، قالوا: اجعل عملك مِلحاً و أدبك دقيقا، و قال الشاعــر:

أدب العبد تــــذلل

و العبد لا يــدع الأدب

فإن تكامل ذلــــه

نال المودة و اقتـــرب

الثالث: المبادرة إلى خدمته بقدر الإمكان بالنفس أو بالمال أو بالقول، فخدمة الرجال سبب الوصال لمولى الموالي، و قال سيدي عبد الله الهبطي الزجلي رضي الله عنه في منظومة له في السلوك:

إن الخديم ظنه جميــل

دل على فلاحه دليـــل

أهل نفسة لخدمة الرجال

لكي ينال من حبيبه الوصال

ذل المحب في طلب القرب

عز عزيز عند أهل الحــب

ابن بيوت القرب من أبوابها

فتحت له إذن بإســـرها

طوبى له بشرى له استفـاد

و نال خير قربة و ســـاد

ثم قـــال:

مقامك اعرف أيها الخديـم

فإنه مفخم عظيـــم

أمسيت للمخدوم في جواره

مشاركا كذاك في أسراره

لا تغتبط سوى مقامك الرفيع

فالخير كله لديك مجتمـع

الرابـع: دوام حضور مجلسه، فإن لم يكن فتكرير الوصول إليه، إذ بقدر تكرير الوصول إليه يقرب الوصول، فمدد الشيخ جار كالساقية أو القادوس، فإن غفل عن الساقية أو القادوس تخرم و انقطع الماء إلى غيره، و أيضا تكرير الوصول يدل على شدة المحبة، و بقدر المحبة تكون الشربة، و في هذا المعنى قال شيخ شيوخنا المجذوب رضي الله عنه:

لا محبة إلا بوصــــول

و لا وصول إلا غالـــي

و لا شراب إلا مختـــوم

و لا مقام إلا عـــــالي

و قال شيخ شيوخنا سيدي على الجمل رضي الله عنه في كتابه: اعلم أنه لا يقرب طالب الوصول إلى الله شيء مثل جلوسه مع عارف بالله إن وجده، ثم قال: الجلوس مع العارف بالله أفضل من العزلة، و العزلة أفضل من الجلوس مع العوام الغافلين، و الجلوس مع العامي الغافل أفضل من الجلوس مع الفقير الجاهل..

و العارف بالله يجمع بين المريد و مولاه بنظرة، أو بكلمة، كما أن الفقير الجاهل بالله ربما أتلف المريد عن مولاه بنظرة أو بكلمة فما فوقها، و يرحم الله سيدي المجذوب حيث يقول: الجلسة مع غير الأخيار ترذل و لو تكون صافــي/.

و أمــا الآداب الباطنية:

أولها: اعتقاد كماله، و أنه أهل للشيخوخة و التربية لجمعه بين شريعة و حقيقة، و بين جذب و سلوك، و أنه على قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم.

ثانيـا: تعظيمه و حفظ حرمته حاضرا و غائبا، و تربية محبته في قلبه، و هو دليل صدقه، و بقدر التصديق يكون التحقيق، فمن لا صدق له لا سير له، و لو بقي مع الشيخ ألف سنة، و يرحم الله سيدي محمد الشرقي حيث قال:

اللي ما صدق** ما عنده باش ينفق** و اللي ما حقق** ما جاب إيمارا يا بابا.

الثالث: انعزاله عن عقله و رئاسته و علمه و عمله إلا ما يرد عليه من قبل شيخه كما فعل شيخ طريقتنا الشاذلي رضي الله عنه عند ملاقاته بشيخه، فهي سنة في طريقة، فكل من أتى شيخه في هذه الطريقة الشاذلية، فلا بد أن يغتسل من علمه و عمله قبل أن يصل إلى شيخه لينال الشراب الصافي من بحر مدده الوافي.

الرابع: عند الانتقال عنه إلى غيره، و هذا عندهم من أقبح كل قبيح، و أشنع من كل شنيع، و هو تسويس بذرة الإرادة، فتفسد شجرة الإرادة بفساد أصلها، و هذا كله مع شيوخ التربية كما تقدم..

و أما شيوخ أهل الظاهر فلا بأس أن تنتقل عنهم إلى شيوخ أهل الباطن إن وجدهم و لا يحتاج إلى إذن و الله تعالى أعلم..

و أما الآداب مع الإخوان فأربعة:

أولا: حفظ حرمتهم غائبين أو حاضرين، فلا يغتاب أحدا و لا ينقص أحدا، و لا يقول أصحاب سيدي فلان كمال، و أصحاب سيدي فلان نقص، أو فلان عارف و فلان ليس بعارف، أو فلان ضعيف و فلان قوي، أو غير ذلك، فهذه عين الغيبة، و هي حرام بالإجماع لا سيما في حق الأولياء، لأن لحومهم سموم قاتلة كلحوم العلماء و الصالحين، فليحذر المريد جهده من هذه الخصلة الذميمة، و ليفر ممن كان هذا طبعه فراره من الأسد، فمن أولع بهذا لا يفلح أبدا، فالأولياء كالأنبياء، و من فرق بينهم حرم خيرهم و كفر نعمتهم، و قال بعض الصوفية:

من كسره الفقراء لا يجبره الشيخ، و من كسره الشيخ يجبره الفقراء، و هذا مجرب، لأن إذاية ولي واحد ليست كإذاية أولياء كثر، و من كسره الشيخ يشفع فيه الإخوان، فيجبر قلب الشيخ بخلاف قلوب الفقراء إذا تغيرت قل أن تتفق على الجبر و الله تعالى أعلم..

ثانيا: نصيحتهم بتعليم جاهلهم، و إرشاد ضالهم و تقوية ضعيفهم و لو بالسفر إليه، فإن فيهم أهل بدايات و نهايات، و القوي و الضعيف، فكل واحد يذكره بما يليق بمقامه، خاطبوا الناس بقدر ما يفهموا كما في الحديث.

ثالثا: التواضع لهم و الاستنصاف من نفسك معهم و خدمتهم بقدر الإمكان، فخديم القوم سيدهم، فمن عرض له شغل لا ينفك عنه، فالواجب إعانته ليتفرغ منه إلى ذكر الله إن كان خفيفا، قال تعالى:( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) المائدة/2، فكل ما يشغل قلب الفقير فدفعه جهاد و بر.

رابعا: شهود الصفا فيهم، واعتقاد كمالهم، فلا ينقص أحدا و لو رأى منه ما يوجب النقص في الظاهر، فالمؤمن يلتمس المعاذير، فيلتمس له سبعين عذرا، فإن لم يزل عنه موجب نقصه فليشهده في نفسه، فالمؤمن مرآة أخيه ما كان في الناظر يظهر فيه، فأهل الصفا لا يشهدون إلا الصفا، و أهل التخليط لا يشهدون إلا التخليط، أهل الكمال لا يشهدون إلا الكمال و أهل النقص لا يشهدون إلا النقص، و تقدم في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم:" خصلتان ليس فوقهما شيء من الخير، حسن الظن بي و حسن الظن بعباد الله"، و خصلتان ليس فوقهما شيء من الشر، سوء الظن بالله و سوء الظن بعباد الله، و بالله التوفيق.

فهذه جملة الآداب التي يجب على الفقير مراعاتها و التحفظ عليها سواء كان طالبا أو سائرا أو واصلا، و قد تقم في أول الباب الأول ثمانية آداب بعضها في حق العارف و بعضها في حق السائر، فليراجعها و ليعمل بمقتضاها فإن الطريق كلها آداب حتى قال بعضهم: اجعل عملك ملحا و أدبك دقيقا، و قال أبو حفص رضي الله عنه: التصوف كله آداب، لكل وقت آداب، و لكل حال آداب و لكل مقام آداب، فمن لزم الأدب بلغ مبلغ الرجال و من حرم الأدب فهو بعيد من حيث يظن القرب، مردود من حيث يظن القبول، و قال بعضهم:

الزم الأدب ظاهرا و باطنا، فما أساء أحد الأدب في الظاهر إلا عوقب في الظاهر، و ما أساء أحد الأدب في الباطن إلا عوقب في الباطن، و قال في المباحث الأصلية:

و الأدب الظاهر للعيــان

دلالة الباطن في الإنســان

و هو أيضا للفقير سنــد

و للغني زينة و ســـؤدد

و قيل من يحــرم الأدب

فهو بعيد ما تدانى و اقترب

و قيل من تحبسه الأنسـاب

فإنما تطلقــــه الآداب

فالقوم بالآداب حقا سادوا

منه استفاد القوم ما استفادوا

و قال أبو حفص السراج رحمه الله، و الناس في الآداب على ثلاث طبقات، أهل الدنيا و أهل الدين و أهل الخصوصية من أهل الدين..

فأما أهل الدنيا فأكثر آدابهم في البلاغة، و أخبار الملوك و أشعار العرب.

و أما أهل الدين، فأكثر آدابهم حفظ العلوم و رياضة النفوس و تأديب الجوارح و تهذيب الطباع و حفظ الحدود و ترك الشهوات و اجتناب الشبهات و المسارعة إلى الخيرات.

و أما أهل الخصوصية من أهل الدين، فآدابهم حفظ القلوب و مراعاة الأسرار و استواء السر و العلانية، فالمريدون يتفاضلون بالعلم، و المتوسطون بالآداب و العارفون بالهمم/.

ثم ما ذكره الشيخ من لزوم الجهل للمريد مقيد بما ذكره من احتجاجه لنفسه و مدافعته عنها، لأنه في هذه الحالة صاحب جدل لتركيبه المقدمة و النتيجة، و عليه يفهم قولهم: ما ألهم قوم الجدل إلا حرموا العمل، و أما لو اعترف بإساءته و أنصف من نفسه لم يكن ذلك في حقه جهلا و لا جهالة، و قد قالوا عدم الأدب إن كان يجر إلى الأدب فهو أدب و الله تعالى أعلم..

 

الأدب مع الورد و الوارد

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire