خف من وجود إحسانه إليك و دوام إساءتك معه أن يكون ذلك استدراجا لك، سنستدرجهم من حيث لا يعلمون.

الاستدارج هو كمون المحنة في عين المنة، و هو مأخوذ من درج الصبي، أي أخذ في المشي شيئا فشيئا، و منه الدرج الذي يرتقي عليه إلى العلو، كذلك المستدرج، هو الذي تؤخذ منه النعمة شيئا بعد شيء، و هو لا يشعر، قال تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) القلم 44، أي نأخذهم بالنعم حتى نجرهم إلى النقم و هو لا يشعرون(قاله الشيخ زروق رضي الله عنه)،

فخف أيها المريد من دوام إحسان الحق إليك بالصحة و الفراغ، و سعة الأرزاق و دوام الإمداد الحسية و المعنوية، مع دوام إساءتك معه بالغفلة، و التقصير، و عدم شكرك للملك الكبير، أن يكون ذلك استدراجا منه تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ، قال سهل بن عبد الله رضي الله عنه، نمدهم بالنعم و ننسيهم الشكر عليها، فإذا ركنوا إلى النعمة و حجبوا عن المنعم أخذوا، قال ابن عطاء الله رضي الله عنه: كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة، و نسيناهم الاستغفار من تلك الخطيئة، قال الحق تعالى: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) القلم/45 أي نمدهم بالعوافي و النعم حتى نأخذهم بغتة قال تعالى:(فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) الأنعام/44 ، أي فلما غفلوا عما ذكروا به من العقوبة و العذاب، فتحنا عليهم أبواب النعم، و بسطنا عليهم الأرزاق الحسية، حتى إذا فرحوا بما أوتوا من النعم و تمكنوا منها أخذناهم بالهلاك بغتة، أي فجأة، فإذا هم مبلسون، أي آيسون من كل خير.

و هكذا عادة الله في خلقه، أن يرسل إليهم من يذكرهم بالله، و يدلهم على الله، فإذا أعرضوا عنه، و ردوا عليه قوله، بسط عليهم النعم الحسية حتى إذا اطمأنوا و فرحوا بها دمرهم الله و أخذهم بغتة ليكون ذلك أشد من العقوبة، قال الشاعر: و أعظم شــيء حين يفجؤك البغث..

و قال تعالى: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) آل عمران178، فالواجب على الإنسان إذا أحس بنعمة ظاهرة أو باطنة، حسية أو معنوية أن يعرف حقها، و يبادر إلى شكرها نطقا و اعتقادا و عملا، فالنطق الحمد و الشكر باللسان، و الاعتقاد شهود المنعم في النعمة، و إسنادها إليه، و الغيبة عن الواسطة بالقلب مع شكرها باللسان، من لم يشكر الناس لم يشكر الله، و أشكركم للناس أشكركم لله، فإذا قال لك جزاك الله خيرا فقد أدى شكرها. و الشكر بالعمل صرفها في طاعة الله كما تقدم، فإن لم يقم بهذا الواجب خيف عليه السلب، و الاستدراج و هو أقبح.

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire