لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك، فهو ضمن لك الإجابة، فيما يختاره لك، لا فيما تختاره لنفسك، و في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد.

الإلحاح في الشيء هو تكرره من وجه واحد، و الدعاء طلب مصحوب بأدب في بساط العبودية لجناب الربوبية، و الموجب للشيء ما كان أصلا من وجوده، و اليأس قطع المطامع ..

   و اعلــــم، أن من أسمائه تعالى القيـوم، و هو مبالغة في القيام، فقد قام تعالى بأمر خلقه من عرشه إلى فرشه، و عين لكل مظهر وقتا محدودا و أجلا معلوما، و لكل واحد شكلا معلوما، و رزقا مقسوما، (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) الأعراف/34، فإذا تعلق قلبك بحاجة من حوائج الدنيا و الآخرة، فارجع إلى وعد الله، و اقنع بعلم الله، و لا تحرص، ففي الحرص تعب و مذلة، قال شيخ شيوخنا مولاي العربي رضي الله عنه: الناس تقضى حوائجهم بالحرص فيها و الجري عليها، و نحن تقضى حوائجنا بالزهد فيها و الاشتغال بالله عنها ..

   و إن كان و لا بد من الدعاء، فليكن دعاؤك عبودية، لا طلبا للحظ، و إن تركت الحظوظ صبت عليك الحظوظ و إن غلب عليك وارد الطلب، و طلبت شيئا، ثم تأخر عنك وقت العطاء فيه، فلا تتهم الله في وعده حيث قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/60، و لا تيأس من نواله و رفده، فإن الله قد ضمن لك الإجابة فيما يريد من خير الدنيا و خير الآخرة، و قد يمنعك لطفا بك لكون ذلك المطلب لا يليق بك، كما قال الشيخ أبو الحسن: اللهم إنا قد عجزنا عن دفع الضر عن أنفسنا من حيث نعلم بما نعلم، فكيف لا نعجز عن ذلك من حيث لا نعلم بما لا نعلم، و قد قال بعض المفسرين في قوله تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) القصص/68،  ما موصولة ، بمعنى، و يختار الأمر الذي لهم فيه خيرهم، و قد تكون إجابة في لهم فيه خيرتهم، و قد يكون أجابك، و عين لذلك وقتا و هو أصلح لك و أنفع، فيعطيك ذلك في الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد، و قد يؤخر لك ذلك لدار الكرامة و البقاء، و هو خير لك و أبقى، و في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم: " ما من داع إلا و هو بين إحدى ثلاث، إما أن تعجل له طلبته، و إما أن يدخر له ثوابها، و إما أن يصرف عنه السوء مثلها " و قال الشيخ عبد العزيز المهدوي رضي الله عنه: من لم يكن في دعائه تاركا لاختياره، راضيا باختيار الحق تعالى له، فهو مستدرج ممن قيل له: "اقضوا حاجته فإني أكره أن أسمع صوته"، فإن كان مع اختيار الحق تعالى لا مع اختياره لنفسه كان مجابا و إن لم يعط، و الأعمال بخواتمها..

   ثم حقق لك ما تقدم من إنجاز الوعد و نفوذ الموعود و لكن على الوجه الذي يريد، و في الوقت الذي يريد، و أمرك في ذلك بالصدق و التصديق، و نهاك عن الشك و الترديد، ليكمل بذلك فتح بصيرتك، و تبتهج أنوار سريرتك فقال:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire