ما قادك شيء مثل الوهم.

قلــت: يقال قاد الشيء يقوده إذا جره إليه، و قدتَ البهيمة إذا جَرَرتها إليك، و الوهم أول الخاطر، و هو أضعف من الشك، و المراد هنا ما خالف اليقين، فيصدق بالظن و الشك، و يقول رضي الله عنه: ما جرك شيء و قادك إلى الطمع في الخلق و التملق لهم، و التذلل لما في أيديهم شيء مثل الوهم، يعني أنك لما توهمت أن بيدهم نفعا أو ضرا، أو عطاء أو منعا، طمعت فيهم و تذللت لهم، و اعتمدت عليهم و خفت منهم، و لو حصل لك اليقين أن أمرهم بيد الله، و أنفسهم في قبضة الله، عاجزين عن نفع أنفسهم، فكيف يقدرون على نفع غيرهم، لقطعت يأسك منهم و لرفعت همتك عنهم، و لتعلقت همتك برب الأرباب، و لنبذت الأصحاب و الأحباب.

أو تقـول: ما قادك شيء عن حضرة الشهود و العيان، إلا توهمك وجود الأكوان، و لو أنهيت عنك حجاب الوهم العيان على فقد الأعيان، و لو أشرق نور الإيقان لغطى وجود الأكوان، قال في التنويــر: و إنما منع العبّاد من السّبق إلى الله جواذب التعلق بغير الله، فكلما همت قلوبهم أن ترحل إلى الله، جذبها ذلك التعلق إلى ما به تعلقت، فكرت راجعة إليها و مقبلة عليه، فالحضرة محرمة على من كان هذا وصفه، و ممنوعة على من كان هذا نعته.

قال بعض العارفين: لا تظن أن تدخل الحضرة الإلهية و شيء من روائك يجذبك، و افهم هنا قوله سبحانه: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الشعراء 89، و القلب السليم هو الذي لا تعلق له بشيء دون الله، و قوله تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)الأنعام 94، يفهم أيضا أنه لا يصح مجيئك إلى الله بالوصول إليه إلا إذا كنت فردا مما سواه، و قوله تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) يفهم أنه لا يأويك إلا إذا صح يتمك مما سواه، و قوله عليه السلام: " إن الله وتر يحب الوتر" يعني القلب الذي لا يشفع بثنوية الآثار، ثم قال: قال بعضهم: لو كلفت أن أرى غيره لم أستطع، فإنه لا غير معه حتى أشهده معه.

فتحصل أن الوهم حجب عن الله العوام و الخواص، و أما خواص الخواص، فلم يحجبهم عن الله شيء، أما العوام فقادهم إلى التعلق بالخلق و منعهم من السير إلى الملك الحق، فاشتغلوا بمراقبة الأحباب، و عداوة من عاداهم من الأصحاب، ففاتهم محبة الحبيب و مراقبة الرقيب، و أما الخواص فقاده الوهم إلى ثبوت الآثار، و الوقوف مع الأنوار، فقنعوا بذلك و لم يتشوفوا إلى ما وراء ذلك، فالقناعة من الله حرمان، و ليس الخبر كالعيان.

و سمعت شيخنا رضي الله عنه يقول: و الله ما حجب الناس عن الله إلا الوهم، و الوهم أمر عدمي لا حقيقة له.

و أما خواص الخواص فلم يحجبهم عن الله شيء، قطعوا حجاب الوهم و حصل لهم من الله العلم و الفهم، فلم يتعلقوا بشيء و لم يحجبهم عن الله شيء، جعلنا الله منهم بمنه و كرمه.

أسباب التحرر

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire