إنما أورد عليك الوارد لتكون به عليه واردا، و أورد عليك الوارد ليستسلمك من يد الأغيار و ليحررك من رق الآثار.

إنما أورد عليــك الوارد، لتكون به عليــه واردا

قلــت: الوارد نور إلـهي يقذفه الله تعالى في قلب من أحب من عباده، و هو على ثلاثة أقسام، على حسب البداية و الوسط و النهاية، أو تقـول: على حسب الطالبين أو السائرين أو الواصلين،

القسـم الأول: وارد الانتباه، و هو نور يخرجك من ظلمة الغفلة إلى نور اليقظة، و هو لأهل البداية من الطالبين، فإذا تيقظ من نومه و انتبه من غفلته، استوى على قدمه طالبا لربه، فيقبل عليه بقلبه، و يقلبله، و ينجمع عليه بكليته.

القسم الثانـي: وارد الإقبال، و هو نور يقذفه الله في قلب عبده فيحركه لذكر مولاه، و يغيبه عمن سواه، فلا يزال مشتغلا بذكره، غائبا عن غيره حتى يمتلأ القلب بالنور، فيخرج من سجن الأغيار و يتحرر من رق الآثار.

القسم الثالث: وارد الوصال، و هو نور يستولي على قلب العبد، ثم يستولي على ظاهره و باطنه، فيخرجه من سجن نفسه، و يغيبه عن شهود حسه.

و قد أشار إلى القسم الأول، و هو وارد الانتباه بقوله: إنما أورد عليك الوارد...، أي إنما أشرق عليك نور اليقظة و الانتباه، و هو الوارد، لتكون بسببه واردا عليه و سائرا إليه، و لو لم يورد عليك هذا الوارد، لبقيت في وطن غفلتك نائما في سكرتك، دائما في حسرتك، ثم أشار إلى القسم الثاني و هو وارد الإقبال فقال:

 

أورد عليك الوارد، ليتسلمك من يد الأغيـار، و ليحررك من رق الآثــار

 

أي إنما أورد عليك وارد الإقبال، ليؤنسك بذكر الكبير المتعال، فإذا اشتغلت بذكره، و غبت عن غيره، تسلمك أي أنقذك من يد لصوص الأغيار، بعد أن شدوا أوثاقك بحبل هواك، و سجنوك في سجن حظوظك و مناك، و ليحررك و يعتقك أيضا من رق الآثار، بعد أن ملكتك بما أظهرته لك من زخرف الاغترار، فإذا سلمت من يد الأغيار، أفضيت إلى شهود الأنوار، و إذا تحررت من رق الآثار ترقيت إلى شهود الأسرار، فالأنوار أنوار الصفات، و الأسرار أسرار الذات، فالأنوار لأهل الفناء في الصفات، و الأسرار لأهل الفناء في الذات.

ثم أشار إلى القسم الثالث و هو وارد الوصال فقال:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire