إن لم تحسن ظنك به لأجل حسن وصفه، فحسن ظنك به لحسن معاملته معك، فهل عودك إلا إحسانا، و هل أسدى إليك إلا مننا.

قلـت: الناس في حسن الظن بالله على قسمين خواص و عوام، أما الخواص فحسن ظنهم بالله ناشئ على شهود جماله و رؤية كماله، فحسن ظنهم بالله لا ينقطع سواء واجههم بجماله أو بجلاله، لأن اتصافه تعالى بالرحمة و الرأفة و الكرم و الجود لا ينقطع، فإذا تجلى لهم بجلاله أو قهريته علموا ما في طي ذلك من تمام نعمته و شمول رحمته، فغلب عليهم شهود الرحمة و الجمال، فدام حسن ظنهم على كل حال.

و أما العوام فحسن ظنهم بالله ناشئ على شهود إحسانه و حسن معاملته و امتنانه، فإذا نزلت بهم قهرية أو شدة نظروا إلى سالف إحسانه و حسن ما أسدى إليهم من حسن لطفه و امتنانه، فقاسوا ما يأتي على ما مضى، فتلقوا ما يرد عليهم بالقبول و الرضى، و قد يضعف هذا الظن بضعف النظر و التفكر، و يقوى بقوتهما بخلاف الأول، فإنه ناشئ عن شهود الوصف لا يتخلف، و الثاني ناشئ عن شهود الفعل و هو يتخلف، فحسن ظنك به لوجود معاملته معك بلطفه و مننه، فهل عودك الحق إلا برا حسنا و لطفا جميلا، و هل أسدى إليك، أي أوصل إليك إلا منا كثيرة و نعما غزيرة.

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" أحبوا الله لما يغنيكم به من نعمه، و أحبوني بحب الله " و قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه، إنا لا نحب إلا الله، فقال رجل، أبى ذلك جدك يا سيدي بقوله: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، فقال الشيخ أبو الحسن: إنا لم نر محسنا غير الله فلم نحب سواه.

و قال أيضا رضي الله عنه: قرأت ليلة: (قل أعوذ برب الناس) إلى أن بلغت (من شر الوسواس الخناس)، فقيل لي: شر الوسواس وسواس يدخل بينك و بين حبيبك، يذكرك أفعالك السيئة و ينسيك أفعالك الحسنة، و يكثر عندك ذات الشمال و يقلل عندك ذات اليمين ليعدل بك عن حسن الظن بالله و كرمه إلى سوء الظن بالله و رسوله، فاحذروا هذا الباب، فقد أخذ منه خلق كثير من العباد و الزهاد و أهل الطاعة و السداد.

و قال رضي الله عنه أيضا: العارف من عرف شدائد الزمن في الألطاف الجارية من الله عليه، و عرف إساءته من إحسان الله إليه، فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون.

و إذا كان الحق تعالى ما عودك إلا الإحسان، و ما أسدى إليك إلا الامتنان، فمن العجب أن تتركه و تطلب ما سواه، و إلى ذلك أشار بقوله:



0 Commentaire(s)

Poster un commentaire