الحق ليس محجوب، و إنما المحجوب أنت عن النظر إليه، إذ لو حجبه شيء لستره، ما حجبه، و لو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر، و كل حاصر لشيء فهو له قاهر.. و هو القاهر فوق عباده.

الحق تعالى محال في حقه الحجاب، فلا يحجبه شيء لأنه ظهر بكل شيء، و قبل كل شيء و بعد كل شيء، فلا ظاهر معه و لا موجود في الحقيقة سواه، فهو ليس بمحجوب عنك، و إنما المحجوب أنت عن النظر إليه لاعتقادك الغيرية، و تعلق قلبك بالأمور الحسية، فلو تعلق قلبك بطلب المولى، و أعرضت بالكلية عن رؤية السوى لنظرت إلى نور الحق ساطعا في مظاهر الأكوان، و صار ما كان محجوبا عنك بالوهم في مهد الشهود و العيان و لله در القائل:

لقد تجاى من كان مخبي

و الكون كله طويت طي

مني علي دارت كؤسي

من بعد موتي تراني حـي

فالناس كلهم يشاهدون و لا يعرفون، و كلهم في البحـر و لا يشعرون، و سمعت شيخنا رضي الله عنه يقول: و الله ما حجب الناس عن الله إلا الوهم، و الوهم أمر عدمي لا وجود له.

و سيأتي للشيخ، ما حجبك عن الحق وجود موجود معه، إذ لا شيء معه، و إنما حجبك عنه توهم موجود معه.

إذ لو حجبه تعالى شيء حسي لستره ذلك الحجاب، و لو كان له ساتر حسي لكان لوجوده حاصر، إذ محال أن يستره من جميع الوجوه، و لا يحصره، و كل حاصر لشيء فهو له قاهر، كيف و الله تعالى يقول: ( و هو القاهر فوق عباده ) أي لأنهم في قبضته و تحت تصريف قدرته، و تخصيص إرادته و مشيئته، و الفوقية عبارة عن رفعة الجلال و المكانة لا المكان، كما يقال، السلطان فوق الوزير و السيد فوق عبده و المالك فوق المملوك و غير ذلك مما يثبت الكبرياء و ينفي سماة الحدوث، و الله تعالى أعلم..

التخلية الثانية: الخروج من أوصاف البشرية

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire