سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار.

قلت السوابق جمع سابقة و هي المتقدمة، و الهمم جمع همة، و الهمة قوة انبعاث القلب في طلب الشيء و الاهتمام به، فإن كان ذلك الأمر رفيعا، كمعرفة الله و طلب رضاه، سميت همة عالية، و إن كان أمرا خسيسا كطلب الدنيا و حظوظها سميت همة دنية، و سوابق الهمم من إضافة الموصوف إلى الصفة، أي الهمم السوابق لا تخرق أسوار الأقدار، أي إذا اهتم العارف أو المريد بشيء، و قويت همته بذلك، فإن الله تعالى يكوّن ذلك بقدرته، في ساعة واحدة حتى يكون أمره بأمر الله، و كان شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه يقول: المريد الصادق إذا كان فانيا في الاسم مهما اهتم بالشيء كان، و إن كان فانيا في الذات، يتكون الشيء الذي يحتاجه قبل أن يهتم به، أو كلام هذا معناه، و هو صحيح، و في بعض الأخبار يقول الله تعالى: عبدي ، أنا الله الذي أقول للشيء كن فيكون، فأطعني أجعلك تقول للشيء كن فيكون، و في الحديث الصحيح أيضا : " فإذا أحببته كنت له سمعا و بصرا و يدا و مؤيدا إن سألني أعطيته " و مع ذلك، لا ينفصل بذلك و لا يتكون إلا ما أحاط به قدر الله و قضاؤه، فهمة العارف تتوجه للشيء، فإن وجدت القضاء سبق به كان ذلك بإذن الله، و إن وجدت سور القدر مضروبا عليه لا تخرقه بل تتأدب معه و ترجع لوصفها، و هي العبودية، فلا تتأسف و لا تحزن، بل ربما تفرح لرجوعها لمحلها و تحققها بوصفها..

  و قد كان شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه يقول: نحن إذا قلنا شيئا فخرج فِرحْنا مرة واحدة، و إذا لم يخرج فرحنا عشر مرات، و ذلك لتحققه بمعرفة الله ..

   و قيل لبعضهم: بماذا عرفت ربك، قال بنقض العزائم، و قد يحصل هذا التأثير للهمة القوية، و إن كان صاحبها قويا كما يقع للعائن و الساحر عن خبثهما، أو لخاصية جعلها الله فيهما، إذا نظرا لشيء بقصد انفعل ذلك بإذن الله، و هذا أيضا لا يخرق أسوار الأقدار، بل لا يكون إلا ما أراد الله الواحد القهار، قال تعالى: (وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ ) البقرة 102 ، و قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ ) الإنسان 30 ، و قال صلى الله عليه و سلم : " كل شيء بقضاء و قدر حتى العجز و الكيس" ، أي النشاط للفعل، و أشعر بقوله: سوابق، أن الهمم الضعيفة لا ينفعل لها شيء، و هو كذلك في الخير و الشر، و في استعارته الخرق، و الأسوار ما يشعر بالقوة في الجانبين، لأن الحاصر قاهر، فلا عبرة بالعبد القاصر ..

   و إذا كانت الهمة لا تخرق أسوار الأقدار، فما بالك بالتدبير و الاختيار الذي أشار إليه بقوله:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire