لينفق ذو سعة من سعته،( الواصلون إليه)، و من قدر عليه رزقه، (السائرون إليه).

السعة هي الغنى، و قدِّر عليه، ضيِّقَ عليه.

قلــت: أما الواصلون إليه، فلأنهم لما نفذت أرواحهم من ضيق الأكوان إلى فضاء الشهود و العيان، أو تقــول: لما عرجت أرواحهم من عالم الأشباح إلى عالم الأرواح، أو من عالم الملك إلى عالم الملكوت، اتسعت عليها دائرة أرزاق العلوم، و فتحت لها مخازن الفهوم، فأنفقوا من سعة غناهم جواهر العلم المكنون، و من مخازن كنوزهم يواقيت السر المصون، فاتسع لهم ميدان المجال، و ركبوا أجياد البلاغة و فصاحة المقال، فما أسرع الغنى لمن واجهته منهم العناية، و ما أعظم فتح من لحظته منهم الرعاية، إن لله رجال من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، و هم أهل السر و الحال، و أما السائرون إلى الله، فلأنهم باقون في ضيق الأكوان، و في عالم الأشباح مسجونون في سجن الوهم، لم يفتح لهم شيء من مخازن الفهم مشغولون بجهاد نفوسهم، و معاناة تصفية قلوبهم، مضيق عليهم في الفهوم، فإذا جدوا في السير وصلوا، و انتقلوا من ضيق الأكوان، و رحلوا و تبختروا في رياض العلوم و رفلوا، فظفروا بما أملوا، و استغنوا بعدما ملوا، و إن رجعوا من الطريق أو قصروا، فقد خابوا و خسروا.

تنبيــه: إذا أردت أن يتسع عليك علم الأذواق، فاقطع عنك مادة الأوراق، فما دمت متكلا على كنز غيرك، لا تحفر على كنزك أبدا، فاقطع عنك المادة، و افتقر إلى الله تفيض عليك المواهب من الله، إنما الصدقات للفقراء و المساكين، فإن أردت بسط المواهب عليك صحح الفقر و الفاقة لديك، و قد قال الشيخ الدباس لتلميذه ابن ميمونة حين تأخر عنه الفتح، فرصده فوجده يطالع رسالة القشيري فقال له: اطرح كتابك، و احفر في أرض نفسك يخرج لك ينبوع، و إلا فاذهب عني .

ثم ذكر سبب اتساع العلوم على الواصلين دون السائرين، و هو أن الواصلين لم يقفوا مع شهود مع شهود الأنوار، بل نفذوا إلى نور الأنوار بخلاف السائرين، فإنهم واقفون مع الأنوار مفتقرون إليها، مملوكون في يدها، فقـال:

العلامة الرابعة: الاهتداء بنور الله

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire