ما استودع في غيب السرائر، ظهر على شهادة الظواهر.

استودع أي وضع، و الاستيداع هو وضع الشيء في محل ليحفظ، و غيب السرائر هو باطنها، و المراد بالسرائر هو القلوب و الأرواح، و شهادة الظواهر هي ظاهر الجوارح.

قلــت: ما استدوع الله سبحانه في القلوب، و جعل فيها من خير أو شر، من نور أو ظلمة، من علم أو جهل، من رحمة أو قسوة، من بخل أو شح أو كرم أو سخاء، و قبض و بسط أو يقظة أو غفلة، و معرفة أو نكران، أو غير ذلك من الأخلاق المحمودة أو المذمومة، لا بد أن يظهر آثار ذلك على الجوارح، من أدب و تهذيب، و سكون و طمأنينة و رزانة و بذل و عفو، أو طيش و قلق و غضب و غير ذلك من الأحوال القلبية و الأعمال القالبية.

قال تعالى: (وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) محمد/30و قال تعالى: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ) الرحمن/41 و قال صلى الله عليه و سلم: " من سر سريرة كساه الله رداءها " فأفعال الجوارح تابعة لأحوال القلوب، فمن أودع في سر غيبه معرفة مولاه، لم يطلب من سواه، و من أودع في سر غيبه الجهل بمولاه، تعلق بما سواه، و هكذا أحوال الظاهر تابعة لأحوال الباطن كما تقدم في قوله: تنوعت أجناس الأعمال لتنوع واردات الأحوال، فالأسرة تدل على السريرة، و الكلم صفة المتكلم، و ما فيك ظهر على فيك، و كل إناء بالذي فيه يرشح، و ما خامر القلوب فعلى الوجوه أثره و الله تعالى أعلم .

العلامة الثالثـة: الاستدلال بالله

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire