ما توقف مطلب أنت طالبه بربك، و لا تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك.

التوقف ، الحبس و التعذر، و المطلب ما يطلب قضاؤه، و التيسر التسهيل .

قلـــت: إذا عرضت لك حاجة من حوائج الدنيا و الآخرة، و أردت أن تقضى لك سريعا فلا تطلبها بنفسك، فإنك إذا طلبتها بالله تيسر أمرها و سهل قضاؤها، و إن طلبتها بنفسك صعب قضاؤها و تعسر أمرها، و لا يتوقف و لا يحبس أمر طلبته بربك، و لا يتيسر و لا يسهل أمر طلبته بنفسك، قال تعالى حاكيا عن سيدنا موسى عليه السلام، (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) الأعراف/128فكل من استعان بالله و صبر في طلب حاجته كانت العاقبة له، و كان من المتقين ، و قال تعالى : (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) الطلاق/3 أي كافيه كل ما أهمه، و قال صلى الله عليه و سلم لسويد بن غفلة : " لا تطلب الإمارة فإنك إن طلبتها وكلت إليها، و إن أتتك من غير مسألة أعنت عليها " و علامة الطلب بالله هو الزهد في ذلك الأمر و الاشتغال بالله عنه، فإذا جاء وقته يكون بإذن الله، و علامة الطلب بالنفس هو الحرص و البطش إليه، فإذا تعذر عليه انقبض و تغير عليه .

فهذا من كان طلبه بالله و طلبه بنفسه، فمن طلب حوائجه بالله قضيت معنى، و إن لم تقضى حسا، و من طلب حوائجه بنفسه خاب سعيه و ضاع وقته، و إن قضيت تهمته و حاجته، و هـا هنــا ضابط يعرف به أهل العناية من أهل الخذلان، و أهل الولاية من أهل الخسران، ذكره الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه فقال : إذا أكرم الله عبدا في حركاته و سكناته نصب له العبودية لله، و ستر عنه حظوظ نفسه، و جعله يتقلب في عبوديته، و إذا أراد الله خذلان عبد أظهر له حظوظ نفسه و ستر عنه عبوديته، فهو يتقلب في شهوات نفسه، و عبودية الله عنه بمعزل، و إن كان يجري عليه شيء منها في الظاهر، قـال: و هذا باب من الولاية و الإهانة، و أمــا الصديقية العظمى و الولاية الكبرى، فالحظوظ و الحقوق كلها سواء، عند ذوي البصيرة، لأنه بالله ، فيما يأخذ و يترك ( نقله الشيخ زروق في بعض شروحه).

و الحاصل أن تصرفات العارف كلها بالله، و تصرفات غيره كلها بالنفس، و لو كانت بالله، فالعمل بالله يوجب القربة، و العمل لله يوجب المثوبة، العمل بالله صاحبه داخل الحجاب في مشاهدة الأحباب، و العمل لله يوجب الثواب من وراء الباب، العمل بالله من أهل التحقيق، و العمل لله من أهل التشريع، العمل بالله من أهل قوله تعالى: (إياك نعبد) و العمل لله من أهل قوله تعالى: ( و إياك تستعين)، و قال شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه: بين العمل بالله و العمل لله ما بين الدينار والدرهم.

 

علامات العــارف أربعة:

العلامة الأولى: الرجوع إلى الله في البداية

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire