الخذلان كل الخذلان، أن تتفرغ من الشواغل ثم لا تتوجه إليه، و تقل عوائقك ثم لا ترحل إليه.

   قلت: إذا قلت شواغلك في الظاهر و عوائقك في الباطن، ثم لم تتوجه إليه في ظاهرك، و لم ترحل إليه في باطنك، فهو علامة غاية الخذلان الكبير، لأن جل الناس ما حبسهم عن التوجه إلى الله إلا كثرة أشغالهم الحسية، فاشتغلت حواسهم بخدمة الدنيا في الليالي و الأيام و الشهور و الأعوام حتى انقرض العمر كله في البطالة و التقصير، و هذا هو الخذلان الكبير.

   و من الناس من قلت شواغلهم الظاهرة لوجود من قام لهم بها، لكن كثرت علائقهم في الباطن لكثرة ما تعلق بهم من الشواغب، فهم مغرقون في التدبير و الاختيار، و الاهتمام بأمور من تعلق بهم من الأنام، لا سيما من كان له جاه و رياسة، و خطة و سياسة، فهذا باعتبار العادة بعيد من الإقبال على مولاه، إلا إن سبقت له سابقة عناية، فتجره إلى رحمة ربه و رضاه.

   و الحاصل، أن الخير كله في التخفيف من الشواغل و العلائق، فمن تفرغ منهما فهو قريب من الحضرة، و اما من كثرت شواغله و عوائقه، فأمره بعيد، لأن فكرته مشغولة بالعلائق و المخاطف، فمهما هم بالسير جذبته المخاطف إليها، و بقي مرهونا معها، و هو الذي إليه أشار بقوله:

 

سر الفكرة في القلب

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire