دل بوجود آثاره على وجود أسمائه، و بوجود أسمائه على ثبوت أوصافه، و بوجود أوصافه على وجود ذاته، إذ محال أن يقوم الوصف بنفسه، فأرباب الجذب يكشف لهم عن كمال ذاته ثم يردهم إلى شهود صفاته، ثم يرجعهم إلى التعلق بأسمائه ثم يردهم إلى شهود آثاره، و السالكون على عكس هذا، فنهاية السالكين بداية المجذوبين، و بداية المجذوبين نهاية السالكين، فإن مراد السالكين شهود الأشياء لله، و مراد المجذوبين شهادة الأشياء بالله، و السالكون عاملون على تحقيق الفناء و المحو، و المجذوبون مسلوك بهم طريق البقاء و الصحو، لكن لا بمعنى واحد، فربما التقيا في الطريق هذا في ترقية و هذا في تدلية.

دل بوجود آثاره على وجود أسمائه، و بوجود أسمائه على ثبوت أوصافه، و بوجود أوصافه على وجود ذاته، إذ محال أن يقوم الوصف بنفسه

   قلت:هذه طريقة الترقي، فوجود الأثر يدل على وجود القادر و المريد و العليم و الحق  مثلا، فالقادر يدل على قيام القدرة به، بحيث لا تفارقه، إذ محال أن يقوم الوصف بنفسه، فلزم من وجود الأثر وجود المؤثر، و مهما افترق أهل الظاهر من أهل الباطن، فأهل الظاهر أثبتوا من وجود الأثر وجود الأسماء و الصفات، و لم يقدروا على شهود الذات، غلبهم الحس على شهود المعنى، و الوهم على ثبوت العلم و شهود الحكمة مع شهود القدرة.

   و أهل الباطن لما فرغوا قلوبهم من الأغيار، و باعوا نفوسهم للواحد القهار، فتح الله عين بصيرتهم و أطلعهم على مكنون سره، فأفردوا الحق بالوجود، و انتفى عن بصيرتهم نظرهم كل موجود، إذ محال أن يفارق الصفة موصوفها، أو تقوم هي بنفسها، فلزم من وجود الصفات وجود الذات، و هذا هو سر الخصوصية الذي خص الله به أولياءه، و لم يشاركهم فيه غيرهم.

   ثم بين أهل الجذب من أهل السلوك و أهل التدلي من أهل الترقي فقال:

فأهل الجذب يكشف لهم عن كمال ذاته ثم يردهم إلى شهود صفاته، ثم يردهم إلى التعلق بأسمائه، ثم يردهم إلى شهود آثاره،

و السالكون على عكس هذا، فنهاية السالكين بداية المجذوبين،

لكن لا بمعنى واحد، فربما التقيا في الطريق هذا في ترقية و هذا في تدلية

   قلت: عباد الله المخصوصين بسر الخصوصية هم في سيرهم على قسمين، منهم من يبدأ بالجذب ثم يرد إلى السلوك، و منهم من يبدأ بالسلوك ثم يدركه الجذب ثم يصحو.

   فأرباب الجذب يكشف لهم أول من غير مجاهدة عن شهود الذات فيسكر بشهود نورها، فينكر الواسطة أصلا و ينكر الشرائع، إلا أنه مغلوب، ثم يرد من شهود الذات إلى شهود الصفات، فلا يرى إلا صفات الحق تكثفت و ظهرت و ينكر الأثر، ثم إذا شهد الصفات تعلق بالأسماء اللازمة لها، ثم يرجع إلى شهود آثاره فيقوم بأحكام عبوديته.

   و السالكون على عكس هذا فيستدلون بوجود آثاره على وجود أسمائه، و بوجود أسمائه على وجود صفاته، و بوجود صفاته على وجود ذاته كما تقدم، فنهاية السالكين و هي شهود الذات بداية المجذوبين، و نهاية المجذوبين التي هي شهود الأثر بداية السالكين، و لكن ليس بمعنى واحد، بل أحدهما نازل يشهد الأشياء بالله و الآخر صاعد يشهد الأشياء بنفسه، فربما التقيا في الطريق كشهود الصفات و التعلق بالأسماء مثلا، هذا في ترقية و هذا في تدلية، فإذا وصلا معا اجتمعا لأن المرتقى يرجع للأثر الذي انتهى إليه المجذوب بعد شهود الذات، و يكون رجوعه بالله، فيجتمعان معا في مقام البقاء، و المترقي أكبر من المتدلي في التربية لأنه قاسى شدائد الطريق و أهوالها بخلاف المجذوب.

   فإن كان محمولا و هو نادر، إذ الغالب على الناس السلوك ثم الجذب، و الطريق الشاذلية الغالب عليها الجمع بين الجذب و السلوك من أول قدم.

   و اعلم أن الناس في الجملة على أربعة أقسام، سالكون فقط و مجذوبون فقط، سالكون ثم مجذوبون، و مجذوبون ثم سالكون، فالأولان لا يصلحان للتربية و الإرشاد، أما السالك فقط فلأنه ظاهري محض، فلا نور له في باطنه يجذب به، أما المجذوب فقط فلا سلوك عنده يسير به، و الآخران يصلحان للتربية مع الأفضلية للأول، و اعلم أيضا أن حقيقة السلوك الأول هو شهود خلق بلا حق، و حقيقة الجذب هو شهود حق بدون خلق و الله تعالى أعلم.

   ثم ما يدركه الواصل من أنوار الشهود و العيان ليست هي حسية يدركها كل إنسان، و إنما هي معاني قلبية و أسرار باطنية ملكوتية كما أبان ذلك بقوله:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire