أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون، فإذا شهدته كانت الأكوان معك.

   قلت: ما دام العبد مقيدا في سجن الأكوان و محصورا في هيكل جسمه، فالأكوان حاكمة عليه، فهو يحبها و يعشقها و هي تبغضه و تبعده عن ربه، و هو يفتقر إليها، و هي غنية عنه، و هو يميل إليها و يحرص عليها و هي تفر منه، و هو يخاف منها و يهابها، و هي تخوفه و ترعبه، فإذا شهد مكونها و غاب عنها و تحرر من رقها، كانت هي حينئذ خادمته، و هو حاكم عليها، و هي تحبه و تعشقه و هو مشغوف بحب خالقها، و هي تفتقر إليه و هو غني عنها و هي تحرص عليه، و هو زاهد فيها، و هي تخاف منه و تهابه، و في الحديث: اشتاقت الجنة إلى علي و صهيب و بلال، كانوا من أهل ا لصفة و النار تهابه و هو في غيبة عنها، و قد ورد في الحديث أنها تقول يوم القيامة جز يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي أو كما قال عليه السلام.

   فأنت أيها الإنسان محبوس مع الأكوان في عالم الأشباح مقيد في قيودها، فهي حينئذ تتصرف فيك كيف شاءت حين تكون تحبها و تحرص عليها و تشتاق إليها، كائنة ما كانت، شهادية أو غيبية، ما لم تشهد المكون و تعرفه، فإذا شهدت المكون و عرفته، كانت الأكوان معك، لأنك تكون حرا عنها، و هي مملوكة لك لا تحب منها شيئا من حيث كونيتها، و لا تخاف منها شيئا كذلك، لأنك قد رحلت عنها إلى عالم الأرواح، فحينئذ تكون في قبضتك، و عند همتك، لأنك علقت همتك بالله فتصير الأشياء عند همتك.

   و في بعض الآثار المروية عن الله عز و جل يقول: عبدي اجعلني مكان همك، ما كنت بك فأنت في محل البعد، و ما كنت بي فأنت في محل القرب، فاختر لنفسك.

   و قال بعض الأشياخ: إني لأدخل السوق و الأشياء كلها تشتاق إليّ و أنا غني عنها، و قال ابن الجلا رحمه الله: من علت همته عن الأكوان وصل إلى مكونها، و من وقف بهمته على شيء دون الحق، فقد حجب بها عنه، لأنه أعز من أن يرضى معه بشريك/.

   فمن رفع همته عن الأكوان و متع بشهود المكون، فقد ثبتت له الخصوصية الكبرى و الولاية العظمى، و لا يلزم من رفع الهمة عن الأكوان استغناؤه عما تحتاج إليه البشرية مما يقوم به وصفها اللازم لها، و إليه أشار بقوله:

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire