لا تترقب فروغ الأغيار، فإن ذلك يقطعك عن وجود المراقبة له فيما هو مقيمك فيه.

الترقب هو الانتظار، و الأغيار جمع غير، و هو ما يغير القلب عن حاله، و الغالب استعماله فيما يغيره من حالة الكمال إلى حالة النقص، و عند الصوفية كل ما يشغل عن الحضرة، و يغير القلب عنها فهو غير، و المراقبة هي الحراسة أو العسة على القلب لئلا يخرج من حضرة الرب، و المراد بها في كلام الشيخ مطلق العسة، فتصدق بمراقبة القلب كما تقدم، و تصدق بمراقبة الروح و هي عسها على دوام الشهود، و بمراقبة السر، و هي عسته على دوام الترقي و الأدب.

قلــت: إذا أقامك الحق تعالى في حال يغلب وجود الأغيار لغلبة الحس فيها، كما إذا أقامك في شغل دنيوي في الظاهر لا محيد لك عنه، فجاهد قلبك في العسة عليه في الحضور لئلا تسرقك الغفلة، أو جاهد روحك في العسة عليها في دوام الشهود لئلا يسرقك الحس، أو جاهد سرك في استمداد المواهب و العلوم لئلا يحصل لك فتور، و لا تترقب، أي تنتظر فراغ شغل يدك من تلك الأغيار، فتؤخر حضور قلبك إلى تمام شغل يدك فيفوتك وجود المراقبة في تلك الحال التي أقامك الحق فيها، فيكون في حقك سوء أدب، و فيه أيضا تضييع ذلك الوقت، و خلوه من معاملة الحق و صرف الأوقات لا يمكن قضاؤها.

و لقد بلغني أن شيخ شيوخنا مولاي العربي رضي الله عنه كان إذا رأى أصحابه في شغل، و خاف عليهم أن يسرقهم الحس، نادى عليهم بأعلى صوته، أنت أنت، تنبيها لهم، و إيقاظا من شهود الحس.

و قد ذكر الشعراني في العهود عن بعض أشياخه أنه كان لا يغيب عن الله، و لو في حالة الجماع، و هذا شأن أهل الاعتناء من العارفين، و هذا هو جمع الجمع ، و الله تعالى أعلم .

تنبيــه: ليس هذا تكرار مع ما تقدم في قوله: إحالتك الأعمال على وجود الفراغ الـخ، لأن ذلك في عمل الجوارح، و هذا في عمل القلوب، يدلك على ذلك تعبيره هنا بالمراقبة، و تعبيره ثم بالأعمال، و الإفادة خير من الإعادة و بالله التوفيق.

و إذا حصلت لك المراقبة، أو المشاهدة في حال الأغيار، فلا تستغرب ما تراه من الأكدار لكيلا يحصل لك الإنكار،

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire