التواضع الحقيقي هو الناشئ عن شهود عظمته ، و تجلي صفته.

   قلت: التواضع الحقيقي هو تواضع العارفين، لأنه ناشئ عن شهود عظمة الحق، و تجلي ذاته و صفاته، و هو من عطف التفسير، لأن تجلي الصفات هو عين عظمة الذات، و ذلك أن الحق تعالى كان في أزله القديم متصفا بصفاته و متسميا بأسمائه في خفاء و لطف، لم يعرفه أحد، فلما أراد أن يعرف أظهر قدرته و إرادته و عظمة ذاته المقدسة متصفا بصفاته الأزلية، فتجلت القدرة لعظمة الذات، فشهود عظمة الذات هو شهود تجلي الصفات، و إليه أشار صاحب العينية بقوله:

فأوصافـه و الاسم و الأثر الـذي          هو الكون عين الذات و الله جامـع

   فالتواضع الحقيقي هو الذي ينشأ عن شهود عظمة الذات و نور الصفات، فلذلك ترى العارفين يتواضعون مع الحجر و المدر لمعرفتهم في كل شيء.

   قال ذو النون المصري رضي الله عنه: من أراد التواضع فليوجه نفسه إلى عظمة الله، فإنها تذوب و تصغر، و من نظر إلى سلطان الله ذهب عنه سلطان نفسه، لأن النفوس كلها محقورة عند هيبته، و من أشرف التواضع ألا ينظر إلى نفسه دون الله تعالى/.

   و الحاصل أن التواضع الحقيقي إنما هو للعارفين، لأنهم حين شهدوا عظمة الحق خرجت عنهم أوصاف نفوسهم، إذ لا يخرج عن الوصف إلا شهود الوصف كما ذكره بقوله:

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire