علم أنك لا تقبل النصح المجرد فذوقك من ذواقها ما يسهل عليك وجود فراقها.

   قلت: علم الحق سبحانه أن من عباده من لا يقبل النصح بمجرد القول، فلا يزهد في الدنيا بمجرد سماع الوعظ، إذ كثير من أهل العلم و الفهم يسمعون القرآن يقرعهم عليها و يحذرهم من غرورها، و هم غائبون في ذلك التذكير مشغولون بما يوجب لقلوبهم التذكير، فلما أراد سبحانه أن يصطفي لحضرته من شاء من عباده نغصها عليهم، و شدد عليهم البلاء و المحن، و أجرى على ظاهرهم مواقع الفتن، كل ذلك عناية ربهم ليذوقوا مرارة باطنها، فلا يغتروا بحلاوة زخرف ظاهرها.

   سئل عليه السلام عن أولياء الله الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون قال صلى الله عليه و سلم:" الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، و اهتموا بآجلها حين اهتم الناس بعاجلها" الحديث.

   و قد تقدم عند قول الشيخ الأكوان ظاهرها غرة و باطنها عبرة، فكل ما ينزل بالولي من هذه التعرفات الجلالية التي تغير النفس و تقهرها، فهو خير كثير في حقه فقد قالوا: الامتحان بقدر الامتكان، و كل محنة تزيد مكنة، و اختيار الباقي يقطع التباقي، فقد تبقى في القلب بقية من حب شيء من هذا العالم، أو ركون لشيء من الدنيا، فيسلط عليه من يشوشه عليه و ينغصه لديه، كل ذلك عناية به ليرحل من هذا العالم إلى عالم الملكوت، فإذا تحقق رحيله استوى عنده الحلو و المر و العز و الذل و الغنى و الفقر، لأنه تحقق أن الكل من عند الله و ما في الوجود سواه، و هذا هو العلم الحقيقي الذي هو العلم النافع، و إليه أشار في ما يلــي.

 

 

الباب السابع و العشرون

فــي العلــم

   علامة العلم النافع

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire