ليقل ما تفرح به يقل ما تحزن عليه، و إن أردت ألا تعزل فلا تتول ولاية لا تدوم لك.

ليقل ما تفرح به يقــل ما تحـزن عليـه

   قلت: فإذا أردت أن يدوم سرورك فلا تملك شيئا تحزن على فقده، لأن حزنك على فقدك دليل محبتك له، فإذا اقتصرت على الضرورة و الحاجة من مال او جاه أو عز أو غير ذلك، فلا تجد ما تفقده حتى تحزن عليه.

   قيل لبعضهم: لم لا تغتم قال: لأنني لا أقتني ما يغمني، و في ذلك قيل:

و من سره ألا يـرى ما يسـؤه             فـلا يتخذ شيئا يخاف لـه فقـــدا

فإن صلاح المرء يرجـع كلـه             فسادا إذا الإنسان جاز به الحـــد

   يحكى أنه رفع لبعض الملوك قدح من فيروزج مرصعا بالجوهر لم ير له نظير، ففرح به الملك فرحا شديدا، فقال لبعض الحكماء عنده: كيف ترى هذا، فقال، أراه مصيبة و فقرا، فقال: كيف ذلك، فقال: إن انكسر كان مصيبة لا صبر لها و إن سرق صرت فقيرا إليه، و لم تجد مثله، و قد كنت أن يحمل إليك في أمن من المصيبة و الفقر، فاتفق انكسار القدح، فعظمت مصيبة الملك به فقال: صدق الحكيم ليته لم يحمل إلينا/.

   إن أردت ألا تعزل فلا تتول ولاية لا تدوم لك

   و هنا ميزان آخر أحسن من هذا، و هو أنك إذا أطلقت من نفسك و جعلتها غرضا لسهام أقدار ربك، لا تعارضه فيما يفعل بك، لا شك أنك تستريح و يدوم فرحك لأنك حينئذ منتظر ما يبرز من عند الحبيب، فتتلقاه بالرضا و الترحيب، و هذه حلاوة برد الرضا و التسليم، فإن صحبها شهود الفاعل المختار، و فهو النعيم المقيم، و هذه هي الولاية الكبرى، من تقلدها لا يعزل عنها أبدا كما أشار إلى ذلك بقوله:

إن أردت ألا تعزل فلا تتول ولاية لا تدوم لك

   قلت: الولاية التي لا تدوم هي الولاية التي تأتي من جهة الفرق، و هي ولاية الخلق، كخطة السلطنة و القضاء و القيادة و غير ذلك من الخطط التي قلدها الله بعض عباده، و يدخل فيها أيضا ولاية المال إذا كان يعظم من أجله، أو النسب إذا كان خاليا من التقوى، أو العلم إذا كان خاليا من العمل و غير ذلك من رياسة الدنيا، فإنها تفنى و تنقطع و يعقبها ذل و فقر.

   و الولاية التي تدوم هي الولاية التي تأتي من جهة الجمع، و هي العز بالله، و الغنى بالله، و المعرفة له و الغيبة عما سواه، فلا شك أن هذه ولاية لا تنقطع، و شرف لا ينفذ و عزّ لا يبيـد.

   يحكى أن سيدي عبد الله بن المبارك، و كان من تابع التابعين، و من العلماء العاملين الزاهدين، قدم على هارون الرشيد، فلما دخل العسكر انكب عليه العسكر لزيارته، فوقع من الازدحام ضجة كبيرة حتى تقطعت النعال و ارتفعت الغيرة، فأشرفت أم ولد هارون من قصر الخشب، فلما رأت كثرة الناس و ازدحامهم قالت: ما هذا، قالوا لها: هذا عالم خراسان، فقالت، هذا و الله هو الملك و العز لا ملك هارون، الذي يجمع الناس بالسوط و العصا.

   و أيضا الولاية التي تدوم تنسحب عليه و على ذريته، ثم تدوم فيهم على قدر جاهه عند الله و عظيم ولايته، فكل من عظمت ولايته دامت على أولاده و أتباعه بقدر تلك الولاية، و هو معنى قوله تعالى في بعض التفاسير:(و ليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم) أي و ليخش الذين خافوا على أولادهم، فإن الله يحفظه فيهم، و قيل في قوله تعالى:( و كان أبوهما صالحا) أنه كان جدهم السابع، فحفظ الله كنز اليتامى ببركة صلاح الجد، و الله تعالى أعلم.

   و أما إن نويت الولاية التي لا تدوم، فكن فيها على حذر، و لا تغتر بحلاوة بدايتها، فإن نهايتها مرارة، كما أبان ذلك بقوله:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire