ما من نفس تبديه إلا و له قدر فيك يمضيه.
قلـت: النّـفَس، هو قدر ما يخرج النفس و يرجع، و هو أوسع من الطرفة، و الطرفة أوسع من اللحظة، و هي رمق البصر و رده، و القدر هو العلم السابق للأشياء قبل أن تظهر، و هو أعلم أوقاتها، و أماكنها و مقاديرها، و عدد أفرادها، و ما يعرض لها من الكيفيات، و ما ينزل بها من الآفات، فإذا علمت أيها الإنسان أن أنفاسها قد عمها القدر، و لا يصدر منك و لا من غيرك، إلا ما سبق بها علمه و جرى بها قلمه، لزمك أن ترضى بما يجري به القضاء، فأنفاسك معدودة، و طرفاتك و لحظاتك محصورة، فإذا انتهى آخر أنفاسك رحلت إلى آخرتك، و إذا كانت الأنفاس معدودة، فما بالك بالخطوات و الخطرات، و غير ذلك من التصرفات، و لله در القائل :
مشيناها خطًى كتبت علينــا |
و من كتبت عليه خطىً مشاهـا |
و من قسمت منيته بـــأرض |
فليس يموت في أرض سواهــا |
و حقيقة الرضى هو تلقي المهالك بوجه ضاحك، و حقيقة التسليم استواء النقيمة و النعيم، بحيث لا يختار في أيهما يقيم، و هذا هو مقام أهل الكمال، الذين تحققوا بالزوال، نفعنا الله بذكرهم، و خرطنا في سلكهم آميــن.
الأدب السابــع: الوصول إلى مواجهة الأنوار
0 Commentaire(s)