لا تزكين واردا لا تعلم ثمرته، فليس المراد من السحابة الأمطار، و إنما المراد منها وجود الأثمار.

   قلت: ثمرة الوارد هو عدم العوائد و اكتساب الفوائد، و التخلية من الرذائل و التحلية بالفضائل، و إن شئت قلت: ثمرة الوارد الصادق هو ما ينشأ عنه من الذلة و الانكسار و الخشوع و السكينة و الوقار و الحلم و الزهد و السخاء و الإيثار و التخلص من رق الشهوات الجسمانية و العوائد النفسانية، و الخروج من سجن الأكوان و الترقي إلى فضاء الشهود و العيان، و التحرر من يد الأغيار و التمحض إلى تحقيق المعارف و الأسرار، و كل هذا قد تقدم للمؤلف مفرقا، قال في أول الكتاب، أورد عليك الوارد لتكون به عليه واردا، أورد عليك الوارد ليستسلمك من يد الأغيار و ليحررك من رق الآثار، أورد عليك الوارد ليخرجك من سجن وجودك إلى فضاء شهودك، و قال فيما تقدم قريبا، متى وردت الواردات الإلهية إليك هدمت العوائد عليك، و قال أيضا، الوارد يأتي من حضرة قهار، لأجل ذلك لا يصادمه شيء إلا دمغه.

   فإذا ورد عليك وارد و لم يترك فيك هذه الخصال، فلا تزكه و اتهم نفسك فيه لئلا يكون شيطانيا، فإن الوارد الإلهي تعقبه برودة و سكون و زهد و طمأنينة، و فترة الوارد الشيطاني تعقبه حرارة و قساوة و تكبر و صولة و رؤية نفس، فليس المراد من الحال فرحه و خفته و شطحته، و إنما المراد منه ثمرته، فهو كسحابة الأمطار، فليس المراد منها وجود الأمطار، و إنما المراد ما ينشأ عنها من وجود الأثمار.

   فلا تطلب بقاء الحال، و قد يكون بقاؤه ضررا لك، فإن دوام الأمطار يعود نفعها ضررا، و إلى ذلك أشار بقولـه:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire