الوارد يأتي من حضرة قهار، لأجل ذلك لا يصادمه شيء إلا دمغه، بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق.

   قلت: إنما كان الوارد الذي يرد على قلوب السائرين أو الطالبين قويا شديدا، لأنه يأتي من حضرة اسمه تعالى "القهار" ليدمغ بقهريته كل ما وجد في النفس أو القلب من الأغيار، و إنما قلنا من حضرة اسمه القهار، لأن الحق تعالى له حضرات بعدد أسمائه، فاسمه تعالى القهار يتجلى من حضرة قهريته، و اسمه الجميل يتجلى من حضره جماله، و اسمه الجليل يتجلى من حضرة جلاله، و اسمه رحيم يتجلى من حضرة رحمته، و اسمه الحليم يتجلى من حضرة حلمه، و اسمه الكريم يتجلى من حضرة كرمه، و هكذا..

   فكل اسم يخرج تجليه على وفق حضرته قال تعالى:( و إن من شيء إلا عندنا خزائنه) و لو كان هذا الوارد الذي يرد على قلوب أهل البداية من حضرة الرحيم أو الحليم أو الجميل ما أمكن أن يدفع بحكمة الله ما صادمه من الباطل، و شبه الشيخ الباطل و هو كل ما سوى الله، بحيوان له دماغ، فإذا ضرب دماغه و تشتت مات، كذلك الباطل إذا صادمه الحق أهلكه، و تشتت دماغه.

   فالوارد الإلهي حق محض، فإذا صادم الباطل دمغه و قتله، و لذلك أتى بالآية التي نزلت في شأن القرآن مع الكفر، فإن الكفر تشتت و اضمحل حين نزل القرآن، كذلك السوي إذا تجلى الحق بقهرية نوره تشتت و اضمحل، و كان أبو العباس رضي الله عنه كثيرا ما ينشد هذه الأبيات في هذا المعنى:

فلو عاينت عينـاك يـوم تزلـزت             أرض النفـوس و دكت الأجبـال

لرأيت شمـس الحق يسطع نورهـا            عند التزلزل و الرجـال رجــال

   قال: و الأرض أرض النفوس، و الجبال جبال العقل، يعني أن الوارد الإلهي إذا ورد قويا من حضرة قهاريته تعالى دك وجود النفس، و تدكدكت منه جبال النفوس، فيكشف له حينئذ عن أسرار خارجة من مدارك العقول، غير مدركة بعبارة المنقول، فيصير صاحب هذا الوارد كله حقا لا يصادم شيئا إلا دمغه، و هذا المعنى قصد شيخ شيوخنا القطب ابن مشيش بقوله: و اقذف بي على الباطل فأدمغه، طلب يكون حقا محضا يقذف به على السوي فيدمغه، فإذا ذهب السوي و اضمحل بقي الحق الذي لايفنى ظاهرا لا يخفى كما أبان ذلك الشيخ، فلله دره ما أدق نظره في مناسبة الكلام و حسن التخليص لكل مقام حيث قــــال:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire