متى وردت الواردات إليك، هدمت العوائد عليك، إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها.

   الوارد الإلهي هو قوة شوق أو اشتياق أو محبة يخلقها الله في قلب العبد، و قد تنشأ عن قوة خوف أو هيبة أو جلال، فتزعجه تلك القوة إلى النهوض إلى مولاه، فيخرج عن عوائده و شهواته و هواه، و يرحل إلى معرفة ربه و رضاه، و قد تترادف عليه أنوار تلك المحبة و الشوق، فتغيبه عن حسه بالكلية، و ذلك هو الجذب، و إنما جمع الواردات باعتبار تلك المحبة و الشوق فإنها لا تهدم عوائدها إلا إذا كثرت، و تزايدت، و تسمى أيضا هذه الواردات نفحات، قال صلى الله عيه و سلم:" إن لله نفحات، فتعرضوا لنفحاته"

 

   فمن لم ترد عليه هذه النفحات اختيارا فليتعرض لها بصحبة العارفين أهل الإكسير الذي يقلب الأعيان، فإن من صحبهم و لم ترد عليه فليخرق عوائده من الظاهر، فإنها تدخل منه إلى الباطن، فمتى وردت عليك حينئذ تلك الواردات الإلهية، هدمت العوائد عليك، و أفسدتها لديك، فترد عزك ذلاّ و غناك فقرا و جهادك خمولا و رئاستك تواضعا و حنوّا، و كلامك صمتا و لذة طعامك خشينا و شبعك جوعا، و قرارك إلى وطنك سياحة و سفرا، فهذا شأن الوارد الإلهي، يخرب العوائد و يهدمها، فهو كملك جبار، ذي جيش طغاة دخل قرية أو مدينة فأفسد بناءها و غير عوائدها، قال تعالى:( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ) أي نزعوها و خربوها، و جعلوا أعزة أهلها أذلة، أي رؤساءها أتباعا مرؤوسين، و كذلك يفعلون، أي هذا شأنهم، و الاستشهاد بالآية في غاية الحسن و المناسبة.

   ثم ذكر الشيخ علة عدم الوارد عوائد الإنسان فقال:

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire