كما لا يحب العمل المشترك لا يحب القلب المشترك، و القلب المشترك لا يقبل عليه

   قلت: العمل المشترك هو الذي يكون فيه حب السوي، و العمل الذي تصحبه الحظوظ مدخول، و المدخول عير مقبول، يقول الله تعالى:" أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي غيري تركته و شريكه" و القلب الذي فيه حب شيء من السوي ملطخ بالهوى لا يليق لحضرة المولى، قال تعالى:( و طهر بيتي للطائفين) يا داود طهر لي بيتا أسكنه.

   و لله در الششتري حيث يقول:

                          لي حبيب إنمــا               هـــو غيـــور        

                          يظل في القـلـب             كطيـــر حــذور        

                          إذا رأى شيئـــا             امتنع أن يــــزور

   فمن حصن أعماله بالإخلاص استحق القبول و كان من الخواص، و من حصن قلبه من الأغيار امتلأ بالعلوم و الأنوار، و نبعت منه المعارف و الأسرار، و اعلم أن العمل المشترك هو الذي يدخله ثلاث علل إما رياء أو عجب أو طلب عوض.

   أما الرياء فهو الشرك الأصغر، و قد تقدم الحديث: من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته و شريكه، و في حديث مسلم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، فذكر القارئ لغير الله، و الشجاع الذي يقاتل لغير الله، و الغني الذي يتصدق لغير الله.

   و أما العجب فهو رؤية النفس و إسناد العمل إليها، و رؤية المزية لها على الناس قال تعالى: ( فلا تزكوا أنفسكم هو اعلم بمن اتقى) قيل معناه إذا عملت عملا، فلا تقل عملت و لا تظهره عند من يعظمك لأجل علمك بذلك، لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:( ثلاث مهلكات، شح مطاع و هوى متبع و إعجاب المرء بنفسه).

   و قال زيد بن أسلم، معنى لا تزكوا أنفسكم، لا تعتقدوا أنها بارة، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:( لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر من الذنوب: العجب)، قال بعض السلف، لأن أبيت نائما و أصبح نادما أحب إلي من أن أبيت قائما و أصبح معجبا، و قيل لعائشة رضي الله عنها: متى يكون الرجل مسيئا، قالت: إذا ظن أنه محســن.

   قيل: و المعجب أعمى عن آفات نفسه و عمله، و العمل إذا لم يتفقد ضاع، و إنما يتفقد عمله من غلب عليه خوف الله و خوف ذنوبه، و لا يريد الثناء على نفسه وحدها و تزكيتها و ربما أعجب برأيه و عقله، فيستكف عن سؤال غيره و لا يسمع نصح ناصح لنظره من سواه بنظر الاحتقار نسأل الله السلامة و العافية.

   و أما طلب العوض و الجزاء، فقد تقدم مرارا الزجر عنه، و إنك إن طالبته بالجزاء طالبك بسر الإخلاص، و يكفي المريب وجدان السلامة، فكل عمل فيه بعض هذه الآفات فإن الله لا يقبله قبول الخواص.

 

   و أما القلب المشترك، فهو الذي يدخله ثلاث أيضا: حب الدنيا و حب الخصوصية أو النعم الأخروية، و كلها فادحة في الإخلاص، مخرجة من درجة التوحيد الخاص و بالله التوفيق.

   و هذا آخر الباب الحادي و العشرين، و حاصلها ذكر ميزان الأعمال و الأحوال الصحيحة و السقيمة، و حاصل هذا الميزان أن كل ما يثقل على النفس فهو صحيح، و كل ما يخف عليها فهو سقيم، و من جملة ما يثقل عليها القيام بالفرض الواجب دون النوافل، فإنها تخف عليه، فلما علم الحق سبحانه ذلك منها قيد الفرائض بأوقات معلومة كي لا يمنعها التسويف، لأن جل النفوس يقل نهوضها إلى حضرة القدوس، و ليس للحق سبحانه و تعالى غرض فيما فرض، و إنما ساقهم إلى جنته بسلاسل امتحانه، فمن غلبته نفسه على النهوض إلى الطاعة، و أسرته نفسه عن اللحوق بالسباق، فلا تستغرب أن ينقذه الله منها، فإن قدرة القادر كلمح البصر أو أقرب، و ربما تكون تلك الشهوة أو الغفلة في حقك نعمة، و ذلك لتعرف منة الله عليك حين ينقذك منها، فإن كثيرا ممن أنعم الله عليهم لم يعرفوا قدرها فسلبوا منها، فإذا أنعم عليك بإنقاذك من نفسك و إلحاقك بخواص جنسك، فانغمست في النعم، فلا تندهش عن شكرها، فإقرارك بالمنعم إقرار بشكرها، فإذا رأيت من حبسته نفسه، و تمكن داء الهوى من قلبه، فاعلم أن ذاك هو الداء العضال، فلا يخرجه منه إلا خوف مزعج أو شوق مقلق.

   فإذا أزعجه الخوف أو الشوق تفرغ قلبه و خلص عمله، فيقبل الله عليه، فإذا أقبل عليه ملأه بالأنوار، فمنها ما يصل إلى سويداء قلبه، و منها ما يقف على ظاهر قلبه كما يذكر ذلك في الباب الثالث و العشرين بعده.

 

الباب الرابع و العشرون

سر الاستبطاء في حصول النوال

  الأنوار بين الوصول و الدخول

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire