لا تدهشك واردات النعم عن القيام بحقوق شكرك فإن ذلك مما يحط من وجود قدرك.

   قلت: قد يتفكر الانسان في نفسه و ما به من النعم، فيجد نفسه مغموسا في النعم حسية و معنوية، فينظر في نعمة البصر و في نعمة السمع و في نعمة الشم و في نعمة الذوق و في نعمة الكلام و في نعمة العقل و في نعمة اليدين و في نعمة الرجلين و في نعمة الصحة و العافية و في نعمة الكفاية و في نعمة الأهل و في نعمة الأولاد، ثم في نعمة الهداية إلى الإسلام و الإيمان ثم الطاعة ثم العلم، ثم من يستعين به من الإخوان، ثم النعمة الكبرى نعمة الشيخ، ثم فيما أعد الله له بعد الموت الذي لا نهاية له، فإذا وجد نفسه مغمورا بالنعم فلا يدهش منها، و لا يحتقر في نفسه القيام بشكرها، فإن الاعتراف بها و معرفتها و الإقرار بها أنها من الله بلا واسطة هو شكرها، و قوله الحمد لله رب العالمين كافٍ في شكر اللسان، ألا ترى أن الجنة هي من أعظم النعم، فكان شكر أهل الجنة فيها: الحمد لله رب العالمين، قال تعالى:( و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين)

   و قد جاء في بعض الأخبار أن داود عليه السلام قال يا رب كيف أشكرك، و أنا لا أستطيع أن أشكرك إلا بنعمة من نعمك، و نعمتك توجب عليّ الشكر، و الشكر نعمة توجب الشكر أيضا، فأوحى الله إليه: إذا عرفت أن النعم كلها مني فقد شكرتني و قد رضيت لك بذلك.

 و هكذا أنشد بعضهم في هذا المعنى:

إذا كــان شكــر العبــد لله نعمـة          عليهـا مـن الله لـه يجـب الشكـر

فكيف لـه بالشكر و الشـكر نعمـــة          و لو والت الأحقـاب و اتصـل العمـر

   وقال آخــر:

لك الحمد مولانـا علـى كـل نعمة             و من جملة النعمـاء قولي لك الحمــد

فـلا حمـدا إلا أن تمتــنّ بنعمـة             فسبحانـك لا يقوى على حمدك العبـد

   و في رواية أخرى قال داود عليه السلام: إلهي إن ابن آدم ليس فيه شعرة إلا و تحتها نعمة و فوقها نعمة، فمن أين يكافئها، فأوحى الله تعالى إليه: يا داود، أعطي الكثير و أرضى باليسير، و إن شكر ذلك أن تعلم أن ما بك من نعمة فمني.

   و كتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إليه: أني بأرض، و لقد كثرت فيها النعم، و لقد أشفقت على قلبي ضعف الشكر، فكتب إليه عمر: إني كنت أراك أعلم بالله مما أراك، إن الله تعالى لم ينعم على عبده نعمة فحمد الله عليها، إلا كان حمده أفضل من نعمته، لو كنت تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل قال تعالى:( و لقد آتينا داود و سلميان علما و قالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين) و قال تعالى:  ( و سيق الذين اتقوا رهم إلى الجنة زمرا) و قال تعالى:( وقالوا الحد لله الذي صدقنا وعده) و أي نعمة أفضل من دخول الجنة/.

تمكن الهوى من القلب و كيفية إخراجه

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire