من علامة اتباع الهوى المسارعة إلى نوافل الخيرات و التكاسل على القيام بالواجبات.

   قلت: هذا ميزان آخر، و إن شئت قلت هو داخل في الميزان الأول، إن من شأن النفس أن يثقل عليها الواجب لمشاركة الناس لها فيه، إذ جل الناس يفعلونه فلا يظهر لها فيه مزية على غيرها، هي أبدا تحب الخصوصية بخلاف النوافل فإنها تبطش إليها و تحب أن تنفرد بها، إما لطلب المدح و الثناء، و إما لطلب الأجور من القصور و الحور، و هذا كله عند المحققين من الحظوظ الجلية أو الخفية.

   فالمسارعة إلى نوافل الخيرات و فضائل الطاعات مع التكاسل عن الفروض و الواجبات من علامة الهوى، فجب على الإنسان أن يقدم الفرض الواجب، و لا يقدم عليه إلا ما هو من كماله كالنوافل قبله و بعده إعانة على الحضور فيه، فإن حصل الحضور استغنى عن الوسيلة، و النافلة الكبرى عندنا هو الاستغراق في مشاهدة مولاه بين فكرة و نظرة، أو ما يوصل إلى هذا المقام من مذاكرة أو ذكر، و من رفض الدنيا بحذافرها و غاب عن نفسه و جنسه فقد جمع الفرائض و النوافل كلها و لو بات نائما و ظل مفطرا.

   و في بعض أخبار سيدنا داود عليه السلام قال: يا رب أين أجدك، فقال له: اترك نفسك و تعال، أي غب تجدني أقرب إليك منها.

   و قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: عليك بورد واحد و هو إسقاط الهوى، و محبة المولى و بالله التوفيق.

 

السر في تقييد الطاعات

   و لما كان من النفس الأمارة التكاسل عن الطاعات قيدها الحق تعالى بأعيان الأوقات كما أبان ذلك بقوله:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire