إذا التبس عليك أمران فانظر أيهما أثقل على النفس فاتبعه، فإنه لا يثقل عليها إلا ما كان حقا.

   قلت: هذا ميزان صحيح، و في حق السائرين المشتغلين بالجهاد الأكبر قال تعالى:( و جاهدوا في الله حق جهاده) و قال تعالى:( و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، فكل ما يثقل على نفس المريد و تنفر منه فهو حق، و الواجب على المريد اتباعه، و كل ما يخف عليها فهو باطل و فيه حظها، فالواجب عليه اجتنابه، و هذا الأمر يختلف اختلافا كثيرا، فرب نفس يثقل عليها غير ما يثقل على الأخرى، فبعضها يثقل عليه الصمت، و بعضها يثقل عليها الكلام كمن إذا تربى في الصمت، و بعضها يثقل عليها العزلة و بعضها يثقل عليها الخلطة، و بعضها يثقل عليها الصيام، و بعضها يثقل عليها الفطر، و بعضها يثقل عليها السؤال و تموت منه في ساعة واحدة، و بعضها يخف عليها كما إذا تعودته قبل الأمر به و قس على ذلك.

   فليكن العبد على نفسه بصيرة و ليسر معها على عكس مرادها، هكذا يستمر معها بالمخالفة فيما تأمر به، و يتهمها فيما تستحسنه، فإذا تزكت و تطهرت من الحس و لم يبق فيها بقية، فحينئذ يجب عليه موافقتها إذ لا يتجلى فيها حينئذ إلا الحق، فقد جاء الحق و زهق الباطل، فيصير أمر العارف معكوسا مع السائر، فالسائر التدبير و الاختيار و العارف ينفعه، و السائر تضره الخلطة و العارف تنفعه، و السائر يضره الكلام و العارف ينفعه، و السائر تضره الدنيا و يهرب منها و العارف غائب عنها لا تضره و ربما تنفعه.

   و الحاصل أن الواصل معكوس مع السائر في أموره كلها و بالله التوفيق.

   و يجب على من أراد جهاد نفسه أن يلقيها إلى شيخ التربية إذ قد يلتبس عليه أمرها و على فرض علمه بما يثقل عليها لا قدرة له على مجاهدتها إلا بهمة الشيخ، هذه سنة الله في عباده، فإن النفس لا تريد أن تخرج عن رأيها و مراده أبدا، فالواجب إسلامها إلى من يعينه عليها، و انظر التكاليف الشرعية تجدها مخالفة لهوى النفس، و من لا يلقى قياده للشرع فهو كافر، و ما كفر من كفر إلا بتتبع الأهواء، و الله تعالى أعلــم.

   و ها هنا ميزان آخر تعرف به ميزان العمل الذي فيه حظ النفس و هواها، و ما لا حظ لها فيه هو أن تعرض لها الموت، و أنت في ذلك العمل، فإن رضيت بالموت و هي في ذلك العمل فالعمل صحيح، و إن لم ترض بالموت و هي في ذلك العمل فالعمل باطل، فكل عمل لا تهزمه الموت فهو صحيح، و كل عمل تهزمه الموت فهو باطل، يعني فيه الهوى و الحظ.

   و كذلك الإنسان يزن نفسه بهذا الميزان ليعرف هل رحل من هذا العالم أو هو باق، فيعرض الموت على نفسه في حال عافية و جمال، فإذا قبلت الموت و لم تفر منه، فليعلم أنه رحل من هذا العالم، و إن لم تقبل نفسه الموت و طلبت البقاء، ففيه بقية بقدر ما تفر منها و بالله التوفيق.

   ثم ذكر الشيخ ميزانا آخر يعرف به اتباع الهوى من الحق فقال:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire