ورود الفاقات أعياد المريدين .

   قلـت: الأعياد جمع عيد، و هو ما يعود على الناس بالأفراح و المسرة، فالعوام فرحهم و مسرتهم بالحظوظ و العوائد الجسمانية، و الخواص فرحهم بإقبال الملك عليهم، و وجود قلوبهم و صفاء وقتهم من كدرات الأغيار، و الغالب أن هذه المعاني إنما توجد عند الفاقة و الحيرة و الاضطرار، حيث ينقطع حظ النفس فيها لأن النفس كلما ضيقت عليها رحلت إلى عالم الملكوت، و في ذلك العالم راحتها و فرحها و مسرتها، قال تعالى:( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) النازعات/41 و هما جنتان معجلة و مؤجلة، فلأجل ذلك آثرت الصوفية الفقر على الغنى، و الشدة على الرخاء و الذل على العز و المرض على الصحة، لما يحصل لهم بذلك من الرقة و الحلاوة، و كلما ازدادوا فاقة زادهم الله قربا و ولاء، و كان بعضهم يطوف حول الكعبة و يقول:

         مؤتــزر بشملتـي كمـا تــرى     *****     و صبيــة باكيــة كمــا تــرى

         و امرأتـي عريانــة كمـا تــرى     *****     يـا مـن يـرى الـذي بنـا و لا يرى

أمــا تــرى الذي حــل أمــا تــرى

 

   فسمعه بعضهم، فجمع له كسرا و دفعه إليه فقال له: إليك عني، لو كان معي شيء لما أمكنني أن أقول هذا القول..

   و قال أبو إسحاق الهروي رضي الله عنه: من أراد أن يبلغ الشرف، كل الشرف، فليختر سبعا على سبع، فإن الصالحين اختاروها حتى بلغوا سنام الخير، اختاروا الفقر على الغنى، و الجوع على الشبع، و الدون على المرتفع، و الذل على العز، و التواضع على الكبر، و الحزن على الفرح، و الموت على الحياة/.

   و قال بعضهم: إن الفقير الصادق ليحترز من الغنى حذرا أن يدخله، فيفسد عليه فقره، كما يتحرز الغني من الفقر حذرا أن يفسد عليه غناه، و أنشدوا في أعياد العارفين:

قالوا غـدا العيـد مـاذا أنـت لابسـه     *****   فقلـت: خلعـة سـاق حبـه جرعــا

فقـر و صبـر هما ثوبـأي تحتهمـــا    *****    قلب يـرى ألفـه الأعيـاد و الجمعــا

أحرى الملابس أن تلقـى الحبيب بـــه    *****    يوم التزاور في الثوب الـذي خلعـــا

الدهر لي مأثم إن غبت يـا أملـــــي   *****    و العيد ما كنت امرىء لـي و مستمعـا

 

و قال آخر:

قالت: هنا العيد بالبشرى فقلت لهـــا    *****      العيـد و البشـر عنـدي يـوم لقيـاك

الله يعلـم أن النـاس قـد فرحـــوا     *****     فيـه و مـا فرحـتـي إلا برؤيـــاك

 

   ثم بين وجه كون الفاقة عيدا فقال:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire