كيف يكون طلبك اللاحق سببا لعطائه السابق، جل حكم الأزل أن ينظاف إلى العلل .

   قلـت: العطاء هو ما تعلق به علمه القديم قبل أن تظهر حاجيات الأكوان، و لا شك أن الله سبحانه و تعالى قدر في الأزل ما كان و ما يكون إلى أبد الأبد، فقد قسم الأرزاق الحسية و المعنوية، و قدر الآجال قال تعالى:( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) القمر /50، و قال تعالى: (وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ) الرعد8، و قال تعالى:( فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) {النحل/ 61، و قال تعالى:( وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) فاطر11، و قال تعالى:( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً) آل عمران145،

   فإذا علمت أيها الإنسان أن القضاء و القدر قد سبق برزقك و أجلك، و أنه قد سبقت قسمتك و جودك، فماذا تطلب؟.. و إذا طلبت فكيف يكون طلبك اللاحق سببا في عطائه السابق، إذ قد سبق منه العطاء قبل أن يكون منك الطلب، جلّ، أي عظم حكم الأزل القديم أن يضاف إلى العلل و الأسباب الحادثة، إذ محال أن يتقدم الحادث على التقديم، لا وجودا و لا حكما..

   قال ذي النون المصري رضي الله عنه: التوحيد أن يعلم أن قدرة الله في الأشياء بلا علاج، و صنعه لها بلا مزاج، و علة كل شيء صنعه، و لا علة لصنعه، و ليس في السماوات العلا و لا في الأرضين السفلى مدبر غير الله، و كل ما يخطر ببالك، فالله مخالف لذلك/.

   قوله: و علة كل شيء، الضمير في صنعه يعود على الحق تعالى، أي و علة كل شيء، صنع الحق له، يعني أن سبب وجود الأشياء و ظهورها هو صنع الحق لها و صنع الحق لا علة له..

   و قال بعضهم: ليس في الإمكان أبدع مما كان، أي باعتبار العلم و المشيئة لا باعتبار القدرة، فالمراد بما كان القدر و القضاء السابق، فما كونته القدرة و أظهرته لا يمكن أن يكون أبدع منه من حيث تعلق العلم القديم، فلا يمكن تخلفه، و إن كان العقل يجوز أن يخلق الله تعالى أبدع منه، و القدرة صالحة، و لكن لما سبق به العلم، و نفذ به القضاء لم يكن أبدع منه، أو تقول ليس في عالم الإمكان أبدع مما كان، فما ظهر في عالم الإمكان، و هو عالم الشهادة إلا ما كان في عالم الغيب من المعاني القديمة، و لم يظهر أبدع منه، و لن يظهر، فافهم، فالكلام صحيح على هذا الوجه و الله تعالى أعلم..

   و مما يدلك على أن سببك ليس سببا في عطائه لك، و جود عنايته بك قبل ظهورك الذي أشار إليه بقوله:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire