غيب نظر الخلق إليك بنظر الحق إليك، و غب عن إقبالهم عليك بشهود إقباله إليك.

   قلـت: الخلق في التحقيق عدم، و الوجود إنما هو لله الواحد الأحد، فوجود السوي هو كالهباء في الهواء، أو كظلال الأشخاص، إن فتشتهم لم تجدهم شيئا، فغيب عنك أيها الفقير نظر الخلق إليك اكتفاء بنظر الحق إليك، إذ لا نظر سواه، و غب عن إقبالهم عليك بالتعظيم و التكريم بشهود إقبال الملك الكريم، فغب عن الوهم بثبوت العلم، فإقبالك على الخلق إدبارك عن الحق، و إدبارك عن الحلق إقبالك على الحق، و لا يجتمعان.

   ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في وصيته لابن عباس: " احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، و إذا استعنت فاستعن بالله، و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، و لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام و طويت الصحف"..

   و قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: أيست من نفع نفسي لنفسي، فكيف لا أيأس من نفع غيري لها، و رجوت الله لغيري، فكيف لا أرجوه لنفسي..

   و قال في لطائف المنن: اعلم أن مبنى الولي على الاكتفاء بالله، و القناعة بعلمه، و الاعتناء بشهوده، قال تعالى:( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) و قال سبحانه:( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) و قال تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)، و قال تعالى: (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، فسبيل أمرهم في بدايتهم الفرار من الخلق و الانفراد بالملك الحق، و إخفاء الأحوال و كتم الأعمال تحقيقا لفنائهم، و تثبيتا لزهدهم، و عملا على سلامة قلوبهم، حتى إذا تمكن اليقين، و أيدوا بالرسوخ و التمكين، و تحققوا بتحقيق الفناء، و ردوا إلى وجود البقاء، فهناك إن شاء الحق أظهرهم هادين إليه عباده و إن شاء سترهم، فاقتطعهم عن كل شيء إليه...إلى آخر كلامه رضي الله عنه..

   و قال سهل بن عبد الله: لا ينال العبد حقيقة من هذا الأمر حتى يكون بأحد وصفين، حتى يسقط الناس من عينيه، فلا يرى في الدارين إلا هو و خالقه، فإن أحدا لا يقدر أن يضره أو ينفعه، و تسقط نفسه عن قلبه، فلا يبال بأي حال يرونه/.

   و لله در القائــل:

فليتـك تحلـو و الحيــاة مـريــرة       و ليتــك ترضـى و الأنــام غضــاب

و ليـت الـذي بينـي و بينـك عامـر       و بينــي و بيـن العالمــين خـــراب

و ليـت شـرابـي مـن ودادك صافيـا       و شــربي مـن مـاء العيـن ســراب

إذا صــح منـك الـود فالكـل هيـن      و كــل مــا فــوق التـراب تــراب

 

   و اعلم أن رضا الخلق غاية لا تدرك، و انظر قضية لقمان مع ابنه و هي مشهورة، يتبين لك أن رضا الخلق محال أو متعذر، و أجهل الناس من طلب ما لا يدرك..

   و قال بعضهم: ما لي و للناس، كنت في بطن أمي وحدي، و أبعث في قبري وحدي، و أحاسب وحدي، فإن دخلت الجنة فوحدي، و إن دخلت النار فحدي، ففي هذه المواطن لا ينفعني أحد، فما لي و للناس/.

   و قيل: أن الولي الصادق لا قدر له عند الخلق و لا قدر للخلق عنده، فكلما عظم أمره عند الله خفي أمره عند الناس، ثم إنه لا يتحقق الغيبة عن نظر الخلق بنظر الحق إلا بمعرفة الحق عند كل شيء و شهوده في كل شيء كما أبان ذلك بقوله:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire