حظ النفس من المعصية ظاهر جلي، و حظها من الطاعة باطن خفي، و معالجة ما خفي صعب علاجه ،

   قلـت: حظ النفس في المعصية هي متعة البشرية الظاهرية كلذة الأكل و الشرب و النكاح و سماع اللهو و غير ذلك، مما هو أذواق الحس التي هي محرمة، و حظها في الطاعة هي طلب الكرامات و خوارق العادات و الاطلاع على المغيبات، كحب الخصوصية و المنزلة، و مداواة هذا المرض الخفي أصعب من مداواة الأول الجلي، لأن مداواة المرض الحسي الخفي أصعب من مداواة الجلي، فكذلك المعنوي الباطني..

   فما كان جليا متعلقا بالنفس أصعب مما كان خفيا متعلقا بالروح، فالأول يمكن دواؤه بالعزلة و الفرار من مواطن الأشرار، و بصحبة الأخيار، و بكثرة الطاعة و الأذكار، بخلاف الثاني، فلا تزيده الطاعة إلا كثرة و قوة، إذ به صارت تطلب حظها، فلا يداويها من هذا إلا خوف مزعج أو شوق مقلق أو ولي عارف محقق، يصحبه بالمحبة و التصديق..

   قال بعضهم: من عسرت عليه نفسه فليسلمها إلى شيخ التربية، قال تعالى:( وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) و إن عسرت عليكم أنفسكم، فسترضع له نفس أخرى حتى يكمل أوان فطامها، فإن لم يكن واحد من هذا مات و هو سقيم، و لم يلق الله بقلب سليم..

 

   فالواجب على العبد اتهام نفسه و مراقبة قلبه، إذا استحلت النفس شيئا من الطاعات و ألفته أخرجها إلى غيرها، و لو كانت مفضولة في ظاهر أمرها، و سيأتي للشيخ: إذا التبس عليك أمر أن فانظر أثقلهما على النفس، فإنه لا يثقل عليها إلا ما كان حقا، قال أو محمد المرتعش: حججت كذا و كذا حجة عن التجريد، فبان لي أن جميع ذلك كان مشوبا، و ذلك أن والدتي سألتني يوما أن أسقي لها جرة ماء فثقل ذلك علي، فعلمت أن مطاوعة نفسي في الحج كانت لحظ و شوب، إذ لو كانت نفسي فانية لم يصعب عليها ما هو حق في الشرع..

   و قال الشيخ أحمد بن أرقم رضي الله عنه: حدثتني نفسي بالخروج إلى الغزو، فقلت سبحان الله، إن الله تعالى يقول: (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) و هذه تأمرني بالخير، لا يكون هذا أبدا، و لكنها استوحشت تريد لقاء الناس، فتستروح إليهم و يتسامع بها، فيستقبلونها بالتعظيم، فقلت لها: أقاتل العدو حاسرا بالرأي من غير وقاية، فتكوني أول قتيل، فأجابت، ثم أعد أشياء كلها أجابت لها، فقلت يا رب نبهني بها، فإني لها متهم و لك مصدق، فألهمت كأنها تقول: أنك تقتلني كل يوم مرات بمخالفتك إياي و منع شهواتي، و لا يشعرني أحد، فإن قاتلت و قتلت كانت قتلة واحدة، فنجوت منك و يتسامع الناس، فيقولون: استشهد أحمد، فيكون شرفا و ذكرا في الناس لي، فقعدت و لم أخرج ذلك العام /..

   قال الجنيد رضي الله عنه: ضاقت علي نفسي ليلة حتى لم أطق الصبر، فخرجت ذاهبا على وجهي، فانتهيت إلى رجل مطروح في المقابر مغطى الرأس، فلما أحس بي قال أبو القاسم، قلت نعم، قال: متى يصير داء النفس دواؤها، فقلت: إذا خالفت هواها صار داؤها دواؤها، فقال لنفسه، اسمعي فقد أجبتك بهذا مرارا و أنت تقولي: حتى أسمع ذلك من الجنيد، انصرفت و ما عرفتـه/..

   و قد فسر الشيخ ذلك الداء الذي يكون خفيا في الطاعة ببعض جزئياته و هو أعظمها، فقــال:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire