إذا وقع منك ذنب فلا يكن موجبا ليأسك من حصول الاستقامة مع ربك، فقد يكون ذلك آخر ذنب قدر عليك.

   قلـت: السائر الصدّيق، أو الواصل إلى التحقيق، كالراكب المسير جادا في المسير، كاد من السرعة أن يطير، فإذا وقعت منه كبوة أو سقطة، أو صدرت منه هفوة أو عثرة، استوى على جواده، و استمر على إغارته في طلب مراده، فإذا سقط و جعل يتمرغ في سقطته كان ذلك دليلا على قترته و عدم تحصيل طلبته، فإذا وقع منك ذنب أيها الفقير، فلا يكن سببا في قطعك عن الله، أو يؤيسك من الاستقامة مع الله، فيضاعف عليك وبال المعصية، و تعظم في حقك المصيبة و البلية، فقد يكون ذلك رحمة بك، و تنبيها لك من سنتك، كحصول ملل أو قترة، فإذا سقطت نهضت، و إذا قمت جددت، و قد يكون ذلك آخر ذنب قدره الله عليك، و تأمل ما وقع لكثير من الأكابر، كانوا لصوصا فصاروا خصوصا، كإبراهيم بن أدهم، و الفضيل و أبي يعزي، و غيرهم ممن لا يحصى، فليكن لك بهم أسوة في حسن الظن بالله، قال تعالــى:

   (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر53، و قال تعالى:( قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ) الحجر56، وقال تعالى: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) يوسف 76، و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" كل ابن آدم خطاء، و خير الخطائين التوابون" وقال عليه السلام:" إن الله يحب كل مفتن تواب" يعني كثير الذنب كثير التوبة، و قال تعالى:( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) البقرة222..

   فهذه الآيات تقوي رجاء العباد، و توجب الاعتدال و السداد، و قد بين أهل الرجاء و الخوف و منشأهما فقال:

كيف يفتح باب الخوف.. و كيف يفتح باب الرجاء..؟

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire