خير من تصحب من يطلبك لا لشيء يعود منك إليه.
قلــت: و لا يوجد هذا الوصف المجيد إلا للغني الحميد، الفعال لما يريد، يحب من يشاء بلا علة و لا سبب، و يمقت من يشاء بلا ضرر يلحقه و لا تعب، يقرب من يشاء بلا عمل، و يبعد من يشاء بلا زلل، لا يسأل عما يعمل و هم يسألون، و لو شاء ربك ما فعلوه، و لو شاء الله لهدى الناس جميعا، و كلامنا إنما هو مع أهل التحقيق، و أما باعتبار الحكمة و أهل التشريع، فلا يظلم ربك أحدا، و لكن فاعل السبب هو فاعل المسبب، من وجد خيرا فليحمد الله، و من وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، و للجبلــي رحمه الله:
إن كنت في حكم الشريعـة عاصيـا ***** فإني فـي حكم الحقيقـة طائـــع
فخير من تصحبه أيها الإنسان، مولاك الذي يطلبك لحضرته، و يجتبيك لمحبته، من غير نفع يعود منك إليه، و إنما هو برور و إحسان منه إليك، فكيف تتركه و تطلب الأنس بغيره، و ضرره أقرب من نفعه..
قال بعضهم: جرب الناس تجدهم عقارب، فإذا طلبت الصحبة فاصحب العارفين الذين ينهضك حالهم، و يدلك على الله مقالهم، و لله در العينية و هو يقول في عينيته:
فشمر و لذ بالأولياء فإنهـــــم **** لهـم في كتاب الحـق تلـك الوقائــع
هـم الذخر للملهوف و الكنز و الرجا **** و منهم ينال الصب مـا هـو طامــع
بهم يهتدي للعين من ضل في العمــى **** بهم يجذب العشاق و الربـع شاســـع
هم القصد و المطلـوب و السؤل و المنى **** و اسمهم للصبر فـي الحـب شـافــع
هم الناس فالزم إن عرفـت جنابهــم **** ففيهم لضـر العالميــن منـافـــع
وقال في التحذير من صحبة غيرهم من الغافلين و العوام:
و قاطـع لمن واصلت أيام غفلــة **** فما واصـل العـذال إلا مقـاطــــع
و جانب جنـاب الأجنبي لو أنــه **** لقرب انتساب في المنــام مضـاجــع
فللنفس من جـلاسها كـل نسبـة **** و مـن خلة للقلـب تلــك الطبائـع
و الحاصل أن صحبة من يوصـل إلى الله، فما هي إلا صحبة الله، إذ ما ثم سواه، و النظر إلى العارف بالله، فإنما هو نظر إلى الله، إذ لم تبق فيه بقية عليه لغير الله، فصار نورا محضا من نور الله، و فيهم قال صلى الله عليه و سلم: "إن لله رجالا من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا "، و هم موجودون لا ينقطعون أبدا، ظاهرون ظهور الشمس، لا يخفون إلا على من أراد الله منه طردا و بعدا و العياذ بالله من السلب بعد العطاء، و من سوء القضاء و شماتة الأعداء، و عضال الداء، و خيبة الرجاء، و زوال النعمة و فجأة النقمة آميـــن..
رؤية الدنيا و الآخرة بنور اليقين
0 Commentaire(s)